التحول الرقمي في المالية الإسلامية

التحول الرقمي في المالية الإسلامية
1.1. التحول الرقمي في الفقه الإسلامي.
يعتبر الفقه الإسلامي غني عن بيان الحكم لأي مستجد من مستجدات العصور؛ ذلك أنه متأسس على شريعة كاملة تامة لا يصلح الزمان ولا المكان إلا بها، وهذه الشريعة الإسلامية كلها عدل ورحمة بحاجات الإنسان النافعة في جميع المجالات الإنسانية،([1]) وعليه فقد جاء هذا المبحث لبيان التحول الرقمي من منظور الشريعة الإسلامية، وذلك في المطالب التالية:
1.1.1. المنظور الشرعي للقضايا المالية المعاصرة.
بسبب التطور المادي والفكري السريع الذي يعيشه عالمنا المعاصر، الذي لم شمل كل جانب من جوانب الحياة، وليس من المستغرب أن يكون عالم الاقتصاد والتجارة هو المجال الأكثر اتساعا لهذا التطور. بل أصبحت هي المهيمنة في المجتمعات على كافة المستويات المحلية والدولية، ولها التأثير الأكبر على حاضر الأمم. ومستقبلها اجتماعيًّا وسياسيًّا وثقافيًّا. وكان من نتائج هذا التطور في هذا المجال خلق الأدوات والصيغ والأساليب في العقود والمعاملات لإنتاج التطور الفكري والتقدم التكنولوجي. فقد قدمت أنماطا لمجتمعات لم تكن معروفة من قبل، وهاجمت ما ورث في تلك المجتمعات من الصيغ والأساليب والأدوات، ولما كان الكثير منها ليس على الشكل المعتاد، أو المألوف في الأسلوب والصيغة المألوفة في الفقه الإسلامي والمجتمعات الإسلامية، التي تحكمها مبادئها وعقائدها، والتي فرض وجودها عليها – بحكم الغلبة – كان لا بد من توضيح موقف الشريعة الإسلامية من الإباحة أو التحريم أو الصحة. أو البطلان، خاصة وأنها نتاج مجتمعات فضفاضة لا تحكمها المبادئ التي تحكم السوق الإسلامية، ولا تعترف بالقيود الشرعية([2]).
“على ضوء ذلك تدعم الشريعة الإسلامية التجديد والابتكار والتطور بما يخدم التواصل الحضاري والمعرفي والتلاقح المعلوماتي؛ وذلك لتسهيل عملية الانخراط في عالم رقمي واحد؛ ولتعزيز فكرة التعايش، والاقتصاد الكلي الواحد، حيث نجد أن كثيراً من أهداف ومقاصد الاقتصاد الرقمي تتوافق وأهداف الاقتصاد الإسلامي؛ من حيث تعزيز الاقتصاد الكلي، والشفافية وكسر الاحتكار، والاستفادة من التجارة الدولية، والرغبة في الانتفاع البشري المتبادل، على قاعدة العرض والطلب، وتبادل الخبرات التي تعزز من النماء البشري، والرفاهية المنشودة”.([3])
“لعل من أهم العوامل التي ساعدت على التكييف الفقهي للتطورات التكنولوجية من حيث قابليتها للتداول من عدمه، هو الوقوف على التكييف الفقهي لحق المستخدم للتطبيقات الإلكترونية بصورها المختلفة لمعرفة ما إذا استخدامه لها نابعاً من ملكيته لها، أم أن تلك التطبيقات الإلكترونية مملوكة لمزود تلك التطبيقات كما أن المستخدم ما هو إلا مجرد منتفع بتلك التطبيقات دون أن تكون له ملكية ثابتة عليها”.([4])
2.1.1. التأصيل الفقهي للتحول الرقمي في المصارف الإسلامية
وبما أننا نعيش في عصر جديد تطورت فيه التكنولوجيا القائمة على تكنولوجيا المعلومات، فإننا نشعر بواجبنا لمواكبة هذه التكنولوجيا ونسعى بجدية ومستمرة للاستفادة منها وتطويعها لخدمة المستهلك بشكل متسق مع المبادئ الإسلامية، للجمع بين التطور التكنولوجي الهائل والالتزام بقواعد ومبادئ ديننا التي تحكم المعاملات، التي تشكل سياجا منيعا من الفوضى أي فوضى مالية واقتصادية.
حيث كشفت الدراسات المسحية التي أعدها المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية([5])، عن أهم المؤشرات والنتائج المتعلقة بمدى اهتمام المصارف الإسلامية بالجانب التقني: بأن عمليات تكنولوجيا المعلومات في المصارف الإسلامية لم تصل إلى مرحلة النضج التام، كما بلغت بعض مكونات عمليات تكنولوجيا المعلومات مرحلة النضج الأولي مثل إنشاء مواقع الانترنت والكفاءات المختصة والأجهزة والبريد الالكتروني، كما ما زالت أغلب عمليات تكنولوجيا المعلومات في الصناعة المالية الإسلامية في تطور النشوء في كثير من مكوناتها الأخرى؛ ولاسيما الخدمات التفاعلية ومستوى الثقافة والوعي بالأعمال الإلكترونية.([6])
حيث إنّ من عوامل النجاح المهمة للصناعة المالية الإسلامية في عصر الرقمنة:
- تجربة أفضل للعملاء مع التركيز على العميل: حيث يعتبر التركيز على العملاء أحد الابتكارات الدافعة في الخدمات المالية.
- المرونة والقابلية للتوسع: الهدف من المرونة القدرة على التكيف والذكاء في بيئة المنافسة، والتغييرات والفرص غير المتوقعة بالنسبة للمؤسسة.
- العمل على تشكيل النظام البيئي للتكنولوجيا المالية: وتتمثل أهم الهيئات الداعمة للنظام البيئي للابتكار في المنظمون، وشركات التكنولوجيا المالية الإسلامية، كما يعد الأمن السيبراني أمراً بالغ الأهمية لإعادة بثاء الثقة التي تأكلت بفعل الأزمات المالية السابقة.([7])
بالتالي هناك تأثير إيجابي كبير لتطور التكنولوجيا المالية، وخاصة على المصارف الإسلامية، حيث أن هذه التقنيات الرقمية الجديدة تمكن هذه المصارف من تقديم منتجاتها وخدماتها المالية بسهولة، وتقديم خدماتها بكفاءة عالية وجودة عالية، وبالتالي قدرتها للمنافسة في السوق المالية.([8])
فعند قراءة ما سبق نلاحظ بأن التحول الرقمي لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، لأنه لا يشمل الربا، والمحرمات الأساسية في الإسلام، كون الوسيلة التقنية من الوسائل المحايدة، وذلك استنادا للأدلة التالية في القرآن الكريم، قوله تعالى:” وأحل الله البيع وحرم الربا” ([9]) فالأصل في البيوع الإباحة، ذلك أن لفظ البيع جاء مطلقاً عاماً متناولاً جميع أفراده إلا أن يأتي دليل على تخصيصه. وقوله تعالى: “علم الإنسان ما لم يعلم” ([10]) والشاهد بأن الإسلام دين يؤمن بالتطور المستمر والدائم، أما السنة النبوية يعتبر التحول الرقمي هو طريق لتطوير عمل المصارف الإسلامي، وليس به تغيير للأحكام، بل التغيير في الوسيلة المتبعة ونمط التعامل، أي الانتقال من الوسائل التقليدية إلى المبتكرة، كون منهج الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم على ترك المعاملات الدنيوية للناس إلا ما كان منها مخالفا للشرع.([11])
3.1.1. الضوابط الشرعية للتحول الرقمي
التحول الرقمي وسيلة إلى شيء مشروع، كما ان الوسيلة تأخذ حكم الأصل، وأن القضايا المستجدة يتم عرضها على القران الكريم والسنة النبوية والإجماع والقواعد العامة، ومقاصد الشريعة، فإذا لم يوجد فيها حكم تبقي على أصل الإباحة، ولا يحظر منها شيء إلا ما كان مخالف للشرع.([12]) لذا فإن التحول الرقمي لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.
بالتالي من أجل تبني التحول الرقمي هناك مجموعة من الضوابط من أهمها ما يلي:([13])
- يجب التأكد من صلاحية التكنولوجيا المالية عند شرائها أو توظيفها في نظام التمويل الإسلامي.
- ألا يكون التحول الرقمي والتمويل الرقمي حيلة او ذريعة للتواصل إلى الحرام.
- أن يكون التحول الرقمي منضبطا شرعيا من ناحية بناء العقود مع شركات التكنولوجيا المالية.
- أن يشرف على استراتيجية التحول الرقمي علماء شرعيون متخصصون.
- أن تخضع جميع معاملات التمويل الرقمي وعقود التحول الرقمي للتدقيق الشرعي بشكل مستمر.
ومما سبق نرى أن الشريعة الإسلامية تدعم التطورات التكنولوجية ولا تمنعها بشرط عدم مخالفة تلك التطبيقات لأحكام الشريعة الإسلامية ومن أهمها الربا، والغرر، والجهالة، وأن تراعي الشركات المصممة والمبتكرة للتكنولوجيا أسس المصرفية الإسلامية، وهذا كله يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية وأهمها حفظ المال وتنميته.
- () حمودة أحمد، لوازم التحول الرقمي “الأمن السيبراني نموذجا” رؤية فقهية نموذجا، مجلة الشريعة والقانون. مج .70، ع. 40: (2022): 947-999. ↑
- () منظمة المؤتمر الاسلامي بجدة، (مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، مج.2، ع.1: 2002): 52. ↑
- () عبد المجيد صالح، حبيب الله زكريا. دور العالم الرقمي وأثره في تحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي: دراسة فقهية. مجلة الفقه والأصول. (2019): 58-66. ↑
- () عبد الرحيم المولى، التكييف الفقهي للميراث الرقمي. مجلة البحوث الفقهية والقانونية، مج. ن7، ع.36، (2021): 2025- 2121. ↑
- () https://www.cibafi.org/Default بتاريخ (4-11-2023) المؤشرات التكنولوجية للبنوك الإسلامية. ↑
- () ناصر الفضلي، المؤتمر الدولي الثاني لمركز البحوث والاستشارات الاجتماعية – لندن، حول موضوعات العلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم الإسلامي، أبحاث محكمة، (دبي: جامعة زايد، 2013)، 360. ↑
- () عبد الكريم عليوي ومحمد توفيق، التكنولوجيا المالية الإسلامية ودورها في تعزيز تنامي التمويل الإسلامي، مجلة الامتياز لبحوث الاقتصاد والإدارة، م6، ع1، (2022)، 92. ↑
- () الأمام محمد محمود، دور التكنولوجيا المالية في تطوير أداء البنوك الإسلامية، https://islamonline.net. 2022- تاريخ الدخول 12/26/2022. ↑
- () سورة البقرة: آية 275. ↑
- () سورة العلق: آية 5. ↑
- () مها شحادة، التحول الرقمي والتكنولوجيا المالية في المصارف الإسلامية- دراسة في المصالح والمفاسد، مجلة بيت المشورة. مج. 9، ع.17، (2022): 27-69. ↑
- () منى حسن، التحول الرقمي في التعليم بين المصالح والمفاسد، مجلة کلية الشريعة والقانون بطنطا. مج. 37، ع.4، (2022): 272-317. ↑
- () مها شحادة، التحول الرقمي والتكنولوجيا المالية في المصارف الإسلامية – دراسة في المصالح والمفاسد، ص50. ↑