|

ملخص أحكام الشركات في الفقه الإسلامي

ملخص أحكام الشركات في الفقه الإسلامي د. مراد بلعباس   قسّم الفقهاء الشركات إلى أقسام باعتبارات عدّة، فإذا…

أحكام الشركات في الفقه الإسلامي

ملخص أحكام الشركات في الفقه الإسلامي

د. مراد بلعباس

 

قسّم الفقهاء الشركات إلى أقسام باعتبارات عدّة، فإذا كان المال هو أساس قيام الشركة فهي شركة أموال، وإذا قامت على أساس العمل فهي شركة أعمال أو أبدان، أمّا إذا قامت على الضمان فهي شركة وجوه، وفي حالة اجتماع المال والعمل كقاعدتين لقيام الشركة فهي شركة مضاربة.

أولاً- شركات الأموال:

شركة الأموال “هي الشركة التي يتراضى فيها اثنان أو أكثر على أن يشترك كلّ منهم بمبلغ معيّن من رأس المال للتجارة، على أن يكون الربح أو الخسارة بينهم”[1].

وتنقسم شركة الأموال إلى نوعين: شركة المفاوضة، وشركة العنان.

  1. شركة المفاوضة: المفاوضة في اللغة مشتقة من التفويض بمعنى ردّ الأمر إلى جهة أخرى، والاشتراك في كلّ شيء، أو هي من المساواة[2].

أمّا في الاصطلاح فقد اختلف الفقهاء في تعريفها على النحو الآتي:

أ- عند الحنفية[3]: هي شركة مشتملة على الوكالة والكفالة والتساوي في الربح ورأس مال الشركة، فلا تجوز إلاّ بين المسلمَيْن الحُرَّيْن البالغيْن لتساويهما في أهلية جميع التصرّفات، وهي جائزة عندهم، ووجه جوازها الاستحسان، وإن كان القياس يقتضي عدم جوازها؛ لتضمّنها الوكالة بمجهول وكلّ ذلك فاسد بانفراده، كما أنّ الناس يتعاملون بها من غير إنكار من زمن الرسول إلى يومنا هذا، فيكون هذا إجماعاً سكوتياً.

ب- عند المالكية[4]: هي أن يطلق كلّ واحد منهما التصرّف لصاحبه في المال الذي اشتركا فيه، في الغيبة والحضور والبيع والشراء والكراء والاكتراء، سواء كان الإطلاق في جميع الأنواع أو في نوع خاصّ، ولذلك سمّيت مفاوضة، وهي مشروعة على هذه الصفة بشرط أن يكون التصرّف بيد المسلم إذا كان مشاركاً لكافر، رغم أنّ ذلك يُسقط شرط المساواة في التصرّف.

ت- عند الشافعية[5]: هي الاشتراك بين اثنين أو أكثر ليكون بينهما كسبهما، وعليهما ما يعرض من غرم، سواء كان بغصب أو إتلاف أو بيع فاسد وغير ذلك، وهم يمنعونها لأنّها تتضمّن الغرر المنهي عنه، كما أنّها تتضمّن الكفالة بمجهول، والكفالة بالمجهول لا تصحّ، كما أنّها تتضمّن الوكالة بمجهول الجنس، وذلك لا يصحّ مع الانفراد.

ث- عند الحنابلة[6]: المفاوضة تكون على صورتين: إحداهما أن يشتركا في جميع أنواع الشركة، مثل أن يجمعا بين شركات العنان والوجوه والأبدان، وهذه جائزة؛ لأنّ كلّ نوع منها يصحّ على انفراده فصحّ مع غيره، والثانية أن يدخلا بينهما في الشركة الاشتراك فيما يحصل لكلّ واحد منهما من ميراث أو يجده من ركاز أو لقطة، ويلزم كلّ واحد منهما ما يلزم الآخر من أرش جناية وضمان غصب وقيمة متلف، وغرامة الضمان أو كفالة، وهذه غير جائزة.

  1. شركة العنان: العنان في اللغة مشتق من عنّ يعنّ إذا ظهر أمامك، وذلك لظهور مال كلّ واحد منهما لصاحبه، وقيل هي مشتقّة من المعانّة وهي المعارضة، لمعارضة كلّ واحد منهما صاحبه بمال، وعملُه فيه مثل عملِه بيعاً وشراءً[7].

أمّا في الاصطلاح فقد اختلف الفقهاء في تعريفها على النحو الآتي:

أ- عند الحنفية[8]: هي أن يشارك صاحبه في بعض الأموال لا في جميعها، ويكون كلّ واحد منهما وكيلاً عن صاحبه في التصرّف في النوع الذي عيّنا من أنواع التجارة، أو في جميع أنواع التجارة إذا عيّنا ذلك أو أطلقا، ويبيّنان قدر الربح، وهي جائزة عندهم باتفاق؛ لأنّها تقتضي الوكالة في التصرّف عن كلّ واحد منهما لصاحبه، والتوكيل صحيح شرعا.

ب- عند المالكية[9]: هي أن يشتركا على أن لا يطلق كلّ منهما التصرّف لصاحبه، بل لابدّ من حضرتهما وموافقة كلّ منهما للآخر، أو هي الاشتراك في نوع خاصّ من أنواع التجارة، وهي جائزة عندهم وصحيحة في الحالتين.

ت- عند الشافعية[10]: هي اشتراك في مال ليتّجرا فيه، أو هي أن يشتركا في شيء خاصّ دون سائر الأموال، وهي صحيحة بالإجماع؛ لسلامتها من جميع أنواع الغرر.

ث- عند الحنابلة[11]: هي أن يشترك اثنان فأكثر بماليهما ليعملا فيه ببدنيهما وربحه بينهما، أو أن يشترك اثنان فأكثر بماليهما على أن يعمل فيه أحدهما بشرط أن يكون له من الربح أكثر من ربح ماله، وهي جائزة عندهم وصحيحة أيضاً.

ثانياً- شركات الأعمال:

شركة الأعمال هي أن يشترك اثنان أو أكثر في عمل معيّن أو في تقبّل الأعمال، ويكون ما يكسبانه مشتركاً بينهما بحسب الاتفاق، أو هي أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونه بأيديهم، كالصنّاع يشتركون على أن يعملوا في صناعاتهم أو يشتركوا فيما يكتسبونه من المباح كالاصطياد والنجارة والحدادة، فهي غالباً ما تنعقد بين أصحاب الحرف، وتعتمد هذه الشركة على الجهد البدني أو الفكري، وتسمّى أيضاً شركة الأبدان وشركة الصنائع، وهي على نوعين أيضاً: مفاوضة وعنان[12].

وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى جواز التعامل بهذه الشركة بقسميها، إلاّ أنّ المالكية يشترطون لذلك اتحاد الصنعة والمكان، وذلك لأنّها تتضمّن الوكالة، وتوكيل كلّ من الشريكين للآخر بتقبّل العمل صحيح، وصحّة الوكالة وجوازها يدلّ على صحّة الشركة بالأعمال، لأنّ المشتمل على الجائز جائز[13].

أمّا الشافعية والظاهرية فيرون أنّ شركة الأعمال بنوعيها غير جائزة ابتداءً، فإن وقعت فإنّها تعتبر باطلة؛ لأنّها تنطوي على غرر كثير وجهالة، إذ عمل كلّ من الشركاء مجهول عند صاحبه، كما أنّ عمل كلّ واحد منهما ملك له يختصّ به، فلم يجز أن يشاركه الآخر بدله[14].

ثالثاً- شركات الوجوه:

وهي أن يشترك اثنان أو أكثر ليس لهما مال، ولكن لهما وجاهة عند الناس توجب الثقة، على أن يشتريا سلعة بثمن مؤجّل ويبيعا بالنقد، ويكون الربح بينهما على شرط، فهي إنّما تقوم على الاشتراك والتعامل في البيع والشراء، نتيجة لما يتمتّع به الشركاء من الوجاهة وثقة التجّار بهم، دون أن يكون هناك رأس مال للشركة من مال أو عمل، وهي تصحّ مفاوضة وعناناً[15].

وقد ذهب فقهاء المالكية والشافعية إلى عدم جواز شركة الوجوه، وحجّتهم في ذلك عدم وجود أصل للنماء كما في شركة الأبدان؛ لأنّ الشركة لابدّ أن تقوم على أحد أمرين: إما المال وإما العمل، وكلاهما معدوم في شركة الوجوه؛ فلا تجوز لهذا الاعتبار، كما أنّها تشتمل على الغرر؛ لأنّ كلّ واحد من الشريكين عارض صاحبه بكسب غير محدود بصناعة ولا عمل، فلذلك تكون فاسدة، وهي لا تجوز أيضاً لاشتراك الذمم[16].

أمّا فقهاء الحنفية والحنابلة فقالوا إنّ شركة الوجوه جائزة؛ لأنّها تتضمّن وكالة كلّ من الشركاء للآخر في البيع والشراء، كما أنّها تتضمّن الكفالة بالثمن، وكلا الأمرين جائز، وهي أيضاً تشتمل على المصلحة من غير مفسدة فلذلك تجوز[17].

رابعاً- شركات المضاربة:

وهي عقدٌ على الشركة بمالٍ من أحد الجانبين والعمل من جانب آخر، والعمل يكون بالتجارة، والربح بينهما.

والمضاربة بذْلُ نفْع بنفْع، فإنّ هذا بذلَ نفْع بدنه وهذا بذلَ نفْع ماله، وهو عقد معونة وإرفاق يجوز بين المتعاقدين ما أقاما عليه مختارين وليس بلازم لهما، ويجوز فسخه لمن شاء منهما.

وهي تسمّى شركة القراض بلغة أهل الحجاز، لأنّها من القرض من صاحب رأس المال، وتسمّى شركة المضاربة بلغة أهل العراق، لأنّ المضارب يستحقّ الربح بعمله وسعيه، ويطلق عليها أيضاً شركة المعاملة، لأنّ فيها عمل الشريك الآخر[18].

وشركة المضاربة جائزة بإجماع العلماء، وقد نقل هذا الإجماع كثير من الفقهاء، حيث قال ابن رشد الحفيد: “ولا خلاف بين المسلمين في جواز القراض، وأنّه ممّا كان في الجاهلية فأقرّه الإسلام”[19].

وقال الكاساني: “وأمّا الإجماع فإنّه روي عن جماعة من الصحابة أنّهم دفعوا مال اليتيم مضاربة، منهم سيّدنا عمر وسيّدنا عثمان وسيّدنا عليّ وابن مسعود… ولم ينقل أنّه أنكر عليهم من أقرانهم أحد، ومثله يكون إجماعاً”[20].

وفي الختام لعل من المفيد أن نعقد مقارنة بين الشركات في الفقه الإسلامي من خلال الجداول الآتية بغية مزيد من التوضيح لأهم خصائصها مقارنةً بين المذاهب الفقهية:

  1. جدول الشركات المشروعة وغير المشروعة في كلّ مذهب:
الأحناف المالكية الشافعية الحنابلة
العنـان العنـان العنـان العنـان
المفاوضـة المفاوضـة ////////// //////////
الأعمـال الأعمـال ////////// الأعمـال
المضاربـة المضاربـة المضاربـة المضاربـة
الوجـوه ////////// ////////// الوجـوه
  1. جدول مقارنة بين المذاهب في شركات الأعمال:
أوجه المقارنة الأحناف المالكية الشافعية الحنابلة
الصنعة الاتفاق أو الاختلاف اتحاد الصنعة أو التلازم ///////// الاتفاق أو الاختلاف
المساواة في العمل غير مشروطة لابدّ منها ///////// غير مشروطة
مكان العمل وحدُّه ليس شرطا يشترط الوحدة ///////// ليس شرطا
الربح بحسب الشرط بقدر العمل ///////// بحسب الشرط

من خلال الجدول يتضح أنّ الشافعية يمنعون شركة الأعمال، فهي غير جائزة عندهم لأنّه لا يوجد فيها خلطٌ للأموال، كما أنّها تنطوي على غرر من حيث عمل الشركاء.

  1. جدول مقارنة بين المذاهب في شركة المفاوضة:
أوجه المقارنة الأحناف المالكية (على قول) الشافعية الحنابلة
المساواة شرط صحّة في كلّ الأموال. المال المعقود عليه فقط. //////// ////////
الشركة بالعروض لا تجوز. تجوز مع التقييم. //////// ////////
الشركة مع غير المسلم لا تجوز. تجوز مع جعل الرقابة للمسلم. //////// ////////
عمل الشريك بدون تقييد. بدون تقييد. //////// ////////
التجارة عامّة. عامّة ومخصّصة. //////// ////////
الربح بينهما بالتساوي. بينهما بالتساوي. //////// ////////

الملاحظ أنّ الشافعية والحنابلة وبعض المالكية يرون منع شركة المفاوضة، وذلك لأنّها تشتمل على الغرر، والاشتراك بكلّ كسب أو عزم، سواء كان لقطة أو إتلافاً أو غصباً ونحو ذلك، كما أنّها غير عمليةٍ إذ سرعان ما تزول لصعوبة المحافظة على المساواة بين الشريكين.

  1. جدول مقارنة بين المذاهب في شركة المضاربة:
أوجه المقارنة الأحناف المالكية الشافعية الحنابلة
رأس المال يكون نقداً معلوماً حاضراَ. يكون نقداً دون عروض. يكون معلوماً فقط. يكون معلوماً حاضراً.
الربح معلوم النسبة. معلوم النسبة. معلوم النسبة. معلوم النسبة.
تقييد التجارة جائز. غير جائز. غير جائز. جائز.
التوقيت جائز. عدم التوقيت أفضل. عدم التوقيت أفضل. جائز.
أهلية الشركاء التوكل والتوكيل. التوكل والتوكيل. التوكل والتوكيل. التوكل والتوكيل
شراكة غير المسلم تصحّ في دار واحدة. تصحّ بإدارة المسلم. تصحّ بإدارة المسلم. تصحّ بإدارة المسلم.

يتضح من خلال الجدول أنّ الاتفاق حاصل بين فقهاء المذاهب الإسلامية على جواز المضاربة، وإن كان هناك اختلاف طفيف بينهم في بعض شروطها وضوابطها.

  1. جدول مقارنة بين المذاهب في شركة العنان:
أوجه المقارنة الأحناف المالكية الشافعية الحنابلة
مبدأ الشركة الاشتراك بالمال. الاشتراك بالمال. الاشتراك بالمال. الاشتراك بالمال.
رأس المال النقد. النقد والعروض. النقد. النقد.
عمل الشريك غير مقيّد. مقيّد. غير مقيّد. غير مقيّد.
توزيع الربح يتّفق عليه. بحسب حصّة رأس المال. بحسب حصّة رأس المال. يتّفق عليه.
توزيع الخسارة بحسب حصّة رأس المال. بحسب حصّة رأس المال. بحسب حصّة رأس المال. بحسب حصّة رأس المال.
خلط المالين ليس شرطاً. ليس شرطاً. شرط صحّة العقد. ليس شرطاً.
التجارة عامّة أو مخصّصة. عامّة أو مخصّصة. عامّة أو مخصّصة. عامّة.
الضمان بالتصرّف. بالعقد. بالتصرّف. بالعقد.

والملاحظ من خلال هذه المقارنة بين آراء الفقهاء في الشركات أنّهم يجمعون تقريباً على أحكام شركة العنان من شركات الأموال، في حين أنّ هناك خلافاً حول أحكام غيرها من الشركات كالمفاوضة والوجوه والأعمال، وإن كانوا قد اتفقوا على جواز شركة المضاربة في الجملة، ومن ثمّة تكون شركة العنان من شركات الأموال هي الشركة المثلى التي تتمتّع بمميّزات تتيح العمل بحرّية أكبر وشركاء أكثر، والله أعلم.

  1. الخياط، الشركات في الشريعة الإسلامية، 2/22.
  2. انظر: الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، 18/497، وجماعة من المؤلفين، المعجم الوسيط، 2/706.
  3. انظر: الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، 6/58.
  4. انظر: الحطاب، مواهب الجليل، 7/102.
  5. انظر: الشربيني، مغني المحتاج، 2/212.
  6. انظر: ابن قدامة، المغني، 5/138.
  7. انظر: الزبيدي، تاج العروس، 35/415، وجماعة من المؤلفين، المعجم الوسيط، 2/633.
  8. انظر: الموصلي، الاختيار لتعليل المختار، 3/15.
  9. انظر: التّسُولي، البهجة في شرح التحفة، 2/345.
  10. انظر: النووي، المجموع شرح المهذّب، 14/67.
  11. انظر: البهوتي، كشف القناع عن متن الإقناع، 3/497.
  12. انظر: الخياط، الشركات في الشريعة الإسلامية، 2/35، والموسى، شركات الأشخاص، ص168.
  13. انظر: الكاساني، بدائع الصنائع، 6/58، والحطاب، مواهب الجليل، 7/65، وابن تيمية، مجموع الفتاوى، 30/73-74.
  14. انظر: النووي، روضة الطالبين، 4/279، وابن حزم، المحلى، 8/122.
  15. انظر: الخياط، الشركات في الشريعة الإسلامية، 2/46، والموسى، شركات الأشخاص، ص183.
  16. انظر: التّسُولي، البهجة في شرح التحفة، 2/348، والنووي، روضة الطالبين، 4/280.
  17. انظر: الكاساني، بدائع الصنائع، 6/57، وابن مفلح، المبدع شرح المقنع، 4/300.
  18. انظر: الخياط، الشركات في الشريعة الإسلامية، 2/50، وابن تيمية، مجموع الفتاوى، 29/189، والماوردي، المضاربة، ص124.
  19. ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، 2/284.
  20. الكاساني، بدائع الصنائع، 6/79.

اترك تعليقاً