مسألة الحكم بين الحكمين
مسألة الحكم بين الحكمين: تمهيد الحمد لله والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم…
تمهيد
الحمد لله والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين.
وبعد:
فإن مسالة الحكم بين الحكمين وهي أن يتنازع أصلان مختلفان فرعًا واحدًا، فيكون مترددًا بينهما هي من الأمور الناتجة عن التباين في الأحكام التي تقود إليها علة الحكم. ذلك لأن العلة وهي: الوصف المؤثر في الحكم بذاتها لا بجعل الله[1]. أو “الوصف المعرف للحكم بوضع الشارع”[2] تتعدد أقسامها باعتبارات مختلفة , فهي تنقسم باعتبار النص عليها أو لا , إلى منصوصة ومستنبطة , وباعتبار كميتها إلى بسيطة ومركبة , وباعتبار ظهورها وعدمه, إلى ظاهرة وخفية , وباعتبار تعديتها أو قصورها , إلى متعدية وقاصرة[3].
كما أن لها أيضا مسالك تعرف بها، وهي الطرق التي يتوصل بها إلى معرفة العلة الموجودة في الأصل، وتمييزه من سائر الأوصاف الأخرى.[4] ولها قوادح وهي التي يعبر عنها بالاعتراضات ، والمراد بها ما يقدح في الدليل مما يورده المعترض على كلام المستدل ، ويقصد به هدم قاعدة المستدل[5].
لكن أهم تقاسيمها بالنسبة لموضوعنا هذا هو أنها قد تتعدد للفرع الواحد، وهي في هذه الحالة إما أن تؤثر فيه بمجموعها، وإما أن تؤثر فيه بآحادها، فإن أثرت فيه بمجموعها فتلك العلة المركبة، وإن أثرت فيه بآحادها فإما أن تقود كلها إلى حكم واحد وذلك تعاضد العلل للفرع الواحد، وإما أن تقود إلى أحكام متباينة فتلجئ إلى الحكم بين الحكمين. وهو ما يهمنا في هذا الموضوع وما سنركز عليه في مقالتنا هذه.
أولا : مفهوم الحكم بين الحكمين ومستمده:
الحكم لغة المنع. واصطلاحا : هو : إسناد أمر إلى آخر إيجابا أو سلبا.
والحكم الشرعي : عبارة عن حكم الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين[6]
وأما الحكم بين الحكمين: فهو مراعات دليلين فأكثر في الحكم على الفرع الواحد الذي يشبه أكثر من أصل . وقد عرفه ابن حجر[7] بقوله:
“هو أن يأخذ الفرع شبهاً من أكثر من أصل فيعطى أحكاماً بعدد ذلك،”[8]. ونحوه للصنعاني[9].
هذا وقد أطلق عليه أيضا مصطلح:”تفريق الأحكام”، وعرف بأنه: أن يتنازع أصلان مختلفان فرعًا واحدًا، فيكون مترددًا بينهما؛ لثبوت مناطه في كل منهما، ولا يستطاع فك الجهة في التشابه، أو جعل الفرع يأخذ حكم أحد الأصلين؛ لشدة الاشتباه، وعدم ثبوت ترجيح أحدهما على الآخر، فحينئذ يلجأ إلى تفريق الأحكام، فيعطى الفرع أحكامًا في بعض الأحوال طبقًا لأحد الأصلين، بينما يعطى أحكامًا أخرى في غيرها من الأحوال طبقًا للأصل الآخر.[10]
-
- مستمده:
1_ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ[11]، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ[12] فِي غُلاَمٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ[13]، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ[14]» فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ[15]
في تعليق الحافظ بن حجر[16] رحمه الله: على هذا الحديث يقول:: واستدل به بعض المالكية على مشروعية الحكم بين حكمين وهو أن يأخذ الفرع شبهاً من أكثر من أصل فيعطى أحكاماً بعدد ذلك، وذلك أن الفراش يقتضي إلحاقه بزمعة في النسب والشبه يقتضي إلحاقه بعتبة فأعطى الفرع حكماً بين حكمين فروعي الفراش في النسب والشبه البين في الاحتجاب، قال: وإلحاقه بهما ولو كان من وجه أولى من إلغاء أحدهما من كل وجه. [17]
كما أورد الصنعاني[18] في سبل السلام نحوه بقوله: “إن للمالكية هنا مسلك آخر فقالوا: الحديث دل على مشروعية حكم بين حكمين وهو أن يأخذ الفرع شبهاً من أكثر من أصل فيعطي أحكاماً فإن الفراش يقتضي إلحاقه بزمعة والشبه يقتضي إلحاقه بعتبة فأعطى الفرع حكماً بين حكمين فروعي الفراش في إثبات النسب وروعي الشبه البيّن بعتبة في أمر سودة بالاحتجاب.
قالوا: وهذا أولى التقديرين فإن الفرع إذا دار بين أصلين فألحق بأحدهما فقط فقد أبطل شبهه بالثاني من كل وجه فإذا ألحق بكل واحد منهما من وجه فيكون هذا الحكم وهو إثبات النسب بالنظر إلى ما يجب للمدعي من أحكام البنوّة ثابتاً وبالنظر إلى ما يتعلق بالغير من النظر إلى المحارم غير ثابت. قالوا: ولا يمتنع ثبوت النسب من وجه دون وجه كما ذهب أبو حنيفة[19] والأوزاعي[20] وغيرهم إلى أنه لا يحل أن يتزوج بنته من الزنا وإن كان لها حكم الأجنبية[21]
لكن أبا الفضل عبد الرحيم بن الحسين[22] الشافعي قد تعقب هذا الاستدلال بما نقله عن ابن دقيق العيد[23]؛ من أن استدل بعض المالكية بهذا الحديث على قاعدة من قواعدهم، وهو الحكم بين حكمين، وذلك أن يأخذ الفرع شبها من أصول متعددة فيعطي أحكاما متعددة، ولا تمحض لأحد الأصول، وذلك أن الفراش مقتض لإلحاقه بزمعة[24]، والشبه البين مقتض لإلحاقه بعتبة فروعي الفراش في النسب، وألحق بزمعة، وروعي الشبه بأمر سودة بالاحتجاب منه فأعطي الفرع حكما بين حكمين، ولم يمحض أمر الفراش فتثبت المحرمية بينه وبين سودة، ولا روعي الشبه مطلقا فيلحق بعتبة، وإلحاقه بكل منهما من وجه أولى من إلغاء أحدهما من كل وجه؛ قال، ويعترض على هذا بأن صورة النزاع ما إذا دار الفرع بين أصلين شرعيين يقتضي الشرع إلحاقه بكل منهما من حيث النظر إليه، وهنا لا يقتضي الشرع إلا الإلحاق بالفراش، والشبه هنا غير مقتض للإلحاق شرعا فيحمل الأمر بالاحتجاب على الاحتياط لا على بيان وجوب حكم شرعي، وليس فيه إلا ترك مباح بتقدير ثبوت المحرمية.[25]
2_ما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال «ألا إن قتيل العمد والخطإ قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل أربعون منها خلفة»،[26] فأثبت شبه العمد.[27]
قال الإمام الباجي: [28]( وأما شبه العمد فاختلف قول مالك[29] فيه فمرة أثبته ، ومرة نفاه. ثم بعد ذلك بينه بقوله وهو “أن يقصد إلى الضرب ، وشبه الخطأ أن يضربه به بما لا يقتل غالبا فكان الظاهر أنه لم يقصد القتل فوجب أن يكون له حكم بين الحكمين، والذي قاله ابن وهب[30] أنه ما كان بعصا أو وكزة أو لطمة فإن كان على وجه الغضب ففيه القود ، وأرجو أن لا يكون عليه إثم قاتل النفس ، وإن كان على وجه اللعب ففيه الدية مغلظة ، وهو شبه العمد لا قصاص فيه”.[31]
3_ ما روى أحمد[32] والنسائي[33] -واللفظ له- عن طاووس[34] عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «الطواف بالبيت صلاة؛ فأقلوا من الكلام»
فاقتضى الطهارة وستر العورة، بينما أباح فيه الكلام، وهو يتنافى مع كونه صلاة بالمعنى الشرعي؛ ثم بين ابن عبد الهادي[35]: “ذلك بأن الطواف كالصلاة من بعض الوجوه، ويشبه أن معناه: أن أجره كأجر الصلاة، كما جاء في خبر: «إِنَّ الْعَبْدَ لَا يَزَالُ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ،[36]»، ثم ذكر عن أهل الأصول أن المسمى الشرعي للفظ أوضح من المسمى اللغوي، فيحمل عليه، فإن تعذر الشرعي حقيقة، فهل يرد إليه بتجوز محافظة على الشرعي ما أمكن، أو هو مجمل؛ لتردده بين المجاز الشرعي والمسمى اللغوي، أو يحمل على اللغوي؛ تقديما للحقيقة على المجاز؟ أقوال، اختار الأكثر منها: الأول، ومثلوا له بهذا الحديث، حيث يتعذر فيه مسمى الصلاة شرعًا، فيرد إليه بتجوز بأن يقال: كالصلاة في اعتبار الطهارة ونحو النية، أو يحمل المسمى على اللغوي، وهو الدعاء بخير؛ لاشتمال الطواف عليه.[37]
4_ ما رواه الترمذي[38] والشافعي[39] من حديث عائشة[40]: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها»؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا قد حكم ببطلان العقد، وهو يقتضي إهدار ما يترتب عليه وعدم اعتباره، لكنه عقبه بما يقتضي اعتبار ثبوت المهر، وهو من آثار العقد الصحيح ولوازمه.
1_ علة الربا في النقدين عند المالكية:
قال بن بيه[41]:وضع علماء المالكية قاعدة “الثمنية” أو “غلبتها” ، أي هل يعتبر مطلق “الثمنية” كافيا لتلحق الفلوس بالنقدين، أو لا بد من أن يكون استعمالها غالبا ؟ وكلا العلتين متعدية عند أكثر المتأخرين من أصحاب مالك ، إلا أنهم بسبب الترجيح بين العلتين، أي بين علة واقعة وهي الثمنية القائمة في الفلوس فعلا، وبين علة لم تقع في زمانهم وهي غلبة الثمنية ، فقد ذهب مالك إلي الكراهة، وذالك على أصله في التوسط بين الدليلين وهو ما يسمى ب”البينية”، أي وجود حكم بين دليلين، وهو إعمال كل من الدليلين من وجه يناسب إعماله[42].
2_بيع المنزل:
قال الكاساني[43] من فقهاء الحنفية: ويجوز بيع السفل سواءٌ كان مبنياً أو غير مبني لأنه بيع الساحة وذلك جائز وإن لم يكن عليه بناء، وإن كان المبيع منزلاً يدخل في بيت السفل ولا يدخل بيت العلو ولا الطريق الخاص إلا بذكر الحقوق أو المرافق أو بذكر القليل والكثير لأن المنزل أعم من البيت وأخص من الدار فكان بين الدار والبيت فيعطى له حكم بين حكمين فلم يدخل العلوّ في بيع المنزل من غير قرينة اعتباراً للخصوص ويدخل فيه بقرينة اعتباراً للعموم عملاً بالجهتين بقدر الإمكان، [44]
3_ادعاء الذمي أن عليه دينا:
قال: أبو عبيد[45]: وأما قولهم في الذمي إذا ادعى أن عليه ديناً، واختيار أهل العراق أنه يقبل منه، وقول مالك وأهل الحجاز أنه لا يقبل منه وِإن أقام البينة على دعواه، فإن الذي أخْتارُ من ذلك قول بين القولين، فأقول: إن كان له شهود من المسلمين على دَينه قُبل ذلك منه، ولم يكن على ماله سبيل، لأن الدَّين حق قد وجب لربه عليه، وهو أولى به من الجزية، لأنها وإن كانت حقاً للمسلمين في عنقه فإنه ليس يحصي أهل هذا الحق، فيقدر على قَسْم مال الذمي بينهم وبين هذا الغريم بالحِصَص، ولا يعلم كم يؤخذ منه، وقد علم حق هذا الغريم فلهذا جعلناه أولى بالديْن من غيره، وإن لم يُعلم دين هذا الذمي إلا بقوله كان مردوداً غير مقبول منه لأنه حق قد لزمه للمسلمين، فهو يريد إبطاله بالدعوى، وليس بمؤتمن في ذلك كما يؤتمن المسلمون على زكاتهم في الصامت، إنما هذا فيء، وحكمه غير حكم الصدقة.[46]
4_مصطلح «شبه العدل»:
قال:سعد الدين هلال[47]: استطاع أهل الحكمة والخبرة فى العمل الفقهى والقضائى أن يشتقوا مصطلح «شبه العدل»عندما يكون محل النزاع له شبهان مختلفان، ويصلح كل منهما للحكم به فيحكم القاضى بالشبهين معاً بحيث لا يوجد غالب ولا مغلوب.[48]
5_اعتبار الشافعية منع الصلاة إلى الحِجْر إذا لم يستقبل الكعبة، بينما منع الطواف داخله، هو الأصح عندهم في المذهب.
قال الإمام النووي[49]“ولو استقبل الحجر -بكسر الحاء- ولم يستقبل الكعبة فوجهان مشهوران حكاهما صاحب الحاوي والبحر وآخرون:
1_ تصح صلاته؛ لأنه من البيت لحديث ابن عَبَّاسٍ[50]، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: ” الْحِجْرُ مِنَ الْبَيْتِ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[51] وَقَدْ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ[52]. ولأنه لو طاف فيه لم يصح طوافه،
2_ لا تصح صلاته؛ وهو أصحهما بالاتفاق: لأن كونه من البيت مظنون غير مقطوع به”[53].
فهنا لم يعتبر الشافعية ظنية كون الحجر من البيت في شأن الصلاة، واعتبروها في شأن الطواف، فمنعوا الطواف داخله؛ اعتبارًا لهذا الظن.
6_مسألة دخول جزء من البدن داخل الكعبة يبطل الصلاة عند الشافعية، مع إباحتهم للمعتكف أن يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف، فهم تارة جعلوا خروج جزء من البدن من الحيز المفترض إيقاع العبادة فيه موجبًا لفسادها، وتارة جعلوه ليس موجبا لذلك، وذلك باختلاف نوع العبادة.
قال الإمام الشافعي[54] في “الأم: “وكمال الطواف بالبيت: أن يطوف الرجل من وراء الحجر، فإن طاف فسلك الحجر لم يعتد بطوافه الذي سلك فيه الحجر، وإن طاف على جدار الحجر لم يعتد بذلك الطواف؛ لأنه لم يكمل الطواف بالبيت، وكان كل طواف طافه على شاذروان الكعبة أو في الحجر أو على جدار الحجر؛ كما لم يطف”[55].
وقال الخطيب الشربيني[56] في مغني المحتاج: “ولا يضر في تتابع الاعتكاف إخراج بعض الأعضاء من المسجد: كرأسه أو يده؛ لأنه لا يسمى خارجًا، ففي الصحيحين:عن عَائِشَةُ: «أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ، رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ حَائِضٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ فِي المَسْجِدِ، يُدْنِي لَهَا رَأْسَهُ، وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا، فَتُرَجِّلُهُ وَهِيَ حَائِضٌ.[57] ولو أخرج إحدى رجليه واعتمد عليهما لم يضر؛ لأن الأصل عدم الخروج، فإن أخرجهما واعتمد عليهما ضر وإن كان رأسه داخلا”[58]ـ.
7_مسألة: تكليف الكافر بالفروع:
قال الإمام النووي[59] : “أما الكافر الأصلي: فاتفق أصحابنا في كتب الفروع على أنه لا يجب عليه الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها من فروع الإسلام، فأما في كتب الأصول فقال جمهورهم: هو مخاطب بالفروع كما هو مخاطب بأصل الإيمان، وقيل: لا يخاطب بالفروع. وقيل: يخاطب بالمنهي عنه كتحريم الزنا والسرقة والخمر والربا وأشباهها دون المأمور به كالصلاة. والصحيح الأول، وليس مخالفًا لقولهم في الفروع؛ لأن المراد هنا غير المراد هناك، فمرادهم في كتب الفروع أنهم لا يطالبون بها في الدنيا مع كفرهم، وإذا أسلم أحدهم لم يلزمه قضاء الماضي، ولم يتعرضوا لعقوبة الآخرة، ومرادهم في كتب الأصول أنهم يعذبون عليها في الآخرة زيادة على عذاب الكفر، فيعذبون عليها وعلى الكفر جميعًا لا على الكفر وحده، ولم يتعرضوا للمطالبة في الدنيا، فذكروا في الأصول حكم أحد الطرفين، وفي الفروع حكم الطرف الآخر[60].
8_ التيمم وسط الوقت للمتردد:
قال المواق المالكي: [61]عند قول الشيخ خليل[62]: (والمتردد في لحوقه أو وجوده وسطه): إن كان المسافر لا علم عنده من الماء أو كان يعلم موضعه ويخاف أن لا يبلغه فليتيمم في وسط الوقت، ثم إن وجد الماء في الوقت أعاد الذي عنده علم من الماء يخاف أن لا يبلغه ولا يعيد الذي لا علم عنده منه. قال ابن يونس[63] : لأنهما لما كانا غير موقنين بإدراك الماء في الوقت ولا آيسين منه كان لهما حكم بين حكمين وذلك وسط الوقت، ووجه إعادة الذي عنده علم من الماء ويخاف أن لا يبلغه إذا وجد الماء في الوقت، لأنه قد بان تفريطه لخطئه في تقديره، والذي لا علم عنده لم يفرط ولا أخطأ في تقديره فوجب أن لا يعيد [64] .
9_ وقف أرض للمسجد:
ذكر الإمام السيوطي[65] في “الأشباه والنظائر” عند الكلام على قاعدة: “إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام” قال: “لو وقف جزءًا -من أرض- مشاعًا مسجدًا: صح، ووجبت القسمة، ولا يجوز قبل القسمة للجنب المكث في شيء من أجزائها، ولا الاعتكاف فيها؛ تغليبًا للتحريم في الجانبين. “[66].
10_المتحيرة:
ذكر السيوطي[67] في أحكام المتحيرة -وهي من نسيت عادتها قدرًا ووقتًا ولا تمييز لها-؛أنها : “يحرم عليها قراءة القرآن خارج الصلاة”[68].وهو عمل بالجهتين.
خاتمة
تشتمل هذه الخلاصة على أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة، وذلك على النحو التالي:
_أهمية معرفة العلة ومحوريتها في باب القياس والتقعيد الفقهي، وأنها تنقسم باعتبارات عدة.
_أن الحكم بين الحكمين،هو: أن يأخذ الفرع شبهاً من أكثر من أصل فيعطى أحكاماً بعدد ذلك.
_أن أبرز مستمد له، حديث:« الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ» وحديث:«ألا إن قتيل العمد والخطإ قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل أربعون منها خلفة».
_أن لهذه القاعدة تطبيقات كثيرة تدخل في أغلب أبواب الفقه المختلفة.
والله الموفق والهادي إلي سواء السبيل…
- القاضي أبو يعلى ، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء (المتوفى : 458هـ) العدة في أصول الفقه.حققه وعلق عليه وخرج نصه : د أحمد بن علي بن سير المباركي، الأستاذ المشارك في كلية الشريعة بالرياض – جامعة الملك محمد بن سعود الإسلامية الناشر : بدون ناشر الطبعة : الثانية 1410 هـ – 1990 م/5/1423/2/260 ↑
- بقنه مبارك عامر: العلة عند الأصوليين/1/6 ↑
- السرحـــــي :عبد الله شفيق السرحـــــي: اختلاف الأصوليين في تحديد العلة وأثره على الفروع الفقهية _رسالة ماجستير بغزة. /25 ↑
- بقنه: مبارك عامر بقنه: العلة عند الأصوليين /1/8 ↑
- العلة عند الأصوليين لمبارك عامر بقنه/1/44/نقلا عن “الشاملة” ↑
- الجرجاني: علي بن محمد بن علي الجرجاني: التعريفات/ تحقيق : إبراهيم الأبياري الناشر : دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الأولى ، 1405/1/123 ↑
- ابن حجر، الامام الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني. ↑
- ابن حجر:الامام الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى فتح الباري فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت – لبنان الطبعة الثانية/7/62 ↑
- محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين، المعروف كأسلافه بالأمير (المتوفى: 1182هـ). ↑
- تفريق الأحكام/موقع دار الإفتاء المصرية ↑
- سعد بن أبي وقاص،واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف، ابن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، يكنى أبا إسحاق، كان سابع سبعة في الإسلام اسلم بعد ستة. توفي سعد بن أبي وقاص سنة أربع وخمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة./الاستيعاب/2/606 ↑
- عبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشي العامري أخو سودة أم المؤمنين.الإصابة/4/386 ↑
- عتبة بن أبي وقاص بن اهيب بن زهرة القرشي الزهري أخو سعد لم ار من ذكره في الصحابة الا بن منده واستند الى قول موسى بن سعد في بن امة زمعة عهد الى أخي عتبة انه ولده الحديث والحديث صحيح لكن ليس فيه ما يدل على إسلامه وقد اشتد إنكار أبي نعيم على بن منده في ذلك.الإصابة/5/259 ↑
- أم المومنين: سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية أمها الشموس بنت قيس بن زيد الأنصارية من بني عدي بن النجار كان تزوجها السكران بن عمرو أخو سهيل بن عمرو فتوفي عنها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت أول امرأة تزوجها بعد خديجة. ↑
- البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري/ المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي) الطبعة: الأولى، 1422هـ/3/81/ رقم الحديث:2218. ↑
- تقدم ↑
- ابن حجر: الامام الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى: فتح الباري فتح الباري شرح صحيح البخاري: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت – لبنان الطبعة الثانية/7/62 ↑
- محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين، المعروف كأسلافه بالأمير (المتوفى: 1182هـ. ↑
- أبو حنيفة: واسمه النعمان بن ثابت مولى بني تيم الله بن ثعلبة. وهو ضعيف في الحديث. وكان صاحب رأي. وقدم بغداد فمات بها في رجب أو شعبان سنة خمسين ومائة وهو ابن سبعين سنة ودفن في مقابر الخيزران./7/233 ↑
- عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي. يكنى أبا عمرو. مات سنة سبع وخمسين ومائة، دمشقي. ↑
- الصنعاني: سبل السلام /2/308 ↑
- الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: 806هـ) ↑
- تقدم ↑
- تقدم ↑
- العراقي، طرح التثريب في شرح التقريب، أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: 806هـ) : طرح التثريب في شرح التقريب، الناشر: الطبعة المصرية القديمة – وصورتها دور عدة منها (دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، ودار الفكر العربي)/7/129 ↑
- وهذا الحديث غير ثابت.رواه علي بن زياد بن جدعان، وهو ضعيف عن القاسم، وابن ربيعة عن ابن عمر، ولم يلق القاسم ابن عمر، ↑
- أبو الوليد الباجي، أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي الباجي الأندلسي (المتوفى: 474هـ): المنتقى شرح الموطإ/ الناشر: مطبعة السعادة – بجوار محافظة مصر الطبعة: الأولى، 1332 هـ//7/100 ↑
- أبو الوليد الباجي، أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي الباجي الأندلسي (المتوفى: 474هـ). ↑
- الإمام مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الأَصْبَحِيِّ ( 93 ـ 179 هـ. ↑
- تقدم ↑
- الباجي: سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي : المنتقى شرح الموطأ /4/233 ↑
- أحمد بن حنبل: مسند أحمد ط الرسالة/34/149ح:رقم15423/ حديث صحيح ↑
- النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي: السنن الكبرى، طبعة مؤسسة الرسالة تحقيق : حسن عبد المُنعم حسن شلبي/4/132 ↑
- طاوس ابن كيسان اليماني أبو عبدالرحمن الحميري مولاهم الفارسي يقال اسمه ذكوان وطاوس لقب ثقة فقيه فاضل من الثالثة مات سنة ست ومائة وقيل بعد ذلك ع. ↑
- شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي (المتوفى: 744 هـ). ↑
- أبو داود الطيالسي: أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصرى (المتوفى: 204هـ): مسند أبي داود الطيالسي، المحقق: الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي،الناشر: دار هجر – مصر ،الطبعة: الأولى، 1419 هـ – 1999 م/4/118/ح2484. ↑
- المناوي:زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى: 1031هـ) : فيض القدير شرح الجامع الصغير ط المكتبة التجارية الكبريالطبعة: الأولى، 1356/4/292،293 ↑
- الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279هـ): سنن الترمذي ت شاكر تحقيق وتعليق:أحمد محمد شاكر (جـ 1، 2) ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ 3) وإبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشريف (جـ 4، 5) الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر الطبعة: الثانية، 1395 هـ – 1975 م/3/399 ↑
- الشافعي، الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي (المتوفى: 204هـ): مسند الشافعي،الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان،عام النشر: 1400 هـ/”275 ↑
- عائشة بنت أبي بكر الصديق أم المؤمنين [الحميراء] أفقه النساء مطلقا وأفضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلا خديجة ففيهما [ففيها] خلاف شهير ماتت سنة سبع وخمسين على الصحيح ع. انظر التقريب:/2/750 ↑
- فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه. ↑
- بن بيه: فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه: أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة ص10 ↑
- الكاساني الحنفي، علاء الدين، أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي (المتوفى: 587هـ) ↑
- الكاساني الحنفي، علاء الدين، أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي (المتوفى: 587هـ) : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع/ الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الثانية، 1406هـ – 1986م/5/166 ↑
- أبو عبيد القاسم بن سلام (ت : 224هـ). ↑
- أبو عبيد القاسم بن سلام (ت : 224هـ): كتاب الأموال المحقق : خليل محمد هراس. الناشر : دار الفكر. – بيروت./1/645 ↑
- سعد الدين هلال: كاتب مصري. ↑
- http://www.elwatannews.com/news/details/199772سعد الدين هلال:مقال: شبه العدل فى حكم المحكمة الدستورية ↑
- النووي: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى : 676هـ). ↑
- عبد اللَّه بن العباس بن عبد المطلب «7» بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو العباس، ابن عم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم. أمه أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية.وفي وفاته أقوال: سنة خمس وستين. وقيل سبع. وقيل ثمان، وهو الصحيح في قول الجمهور.: الإصابة/4/131 ↑
- [الْحَج: 29] ↑
- الشافعي: مسند الشافعي/1/129 ↑
- النووي: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى : 676هـ): المجموع شرح المهذب الناشر: دار الفكر(طبعة كاملة معها تكملة السبكي والمطيعي) /3/193 ↑
- تقدم ↑
- الشافعي: محمدبن إدريس الشافعي أبو عبد الله [150 – 204]: الأم: الناشر : دار المعرفة – بيروتالطبعة : الثانية ، 1393/2/176 ↑
- الخطيب الشربيني: شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (المتوفى: 977هـ). ↑
- انظر: صحيح البخاري/1/67/ح296 ↑
- الشربيني: مغني المحتاج/2/200 ↑
- تقدم ↑
- النووي: المجموع شرح المهذب/3/4 ↑
- المواق المالكي، محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي، أبو عبد الله المواق المالكي (المتوفى: 897هـ). ↑
- خليل بن إسحاق الجندي المتوفي سنة 767 ه. ↑
- عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي، أبو سعيد (المتوفى: 347ه ↑
- المواق المالكي، محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي، أبو عبد الله المواق المالكي (المتوفى: 897هـ): التاج والإكليل لمختصر خليل، الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى، 1416هـ-1994م/1/521 ↑
- السيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ). ↑
- السيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ): الأشباه والنظائر للسيوطي، الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى، 1411هـ – 1990م/ص107 ↑
- تقدم ↑
- السيوطي: الأشباه والنظائر للسيوطي/249 ↑
جزاكم الله خيراً وجعله في ميزان حسناتكم