القائد الملهم (1)
القائد الملهم (1 إن النجاح في القيادة له مقومات وأسس يجب أن يتم اتبعها. أما حينما نتحدث عن…
القائد الملهم (1
إن النجاح في القيادة له مقومات وأسس يجب أن يتم اتبعها. أما حينما نتحدث عن القيادة الملهمة فإن الأمر يحتاج منا إلى وقفات وتأملات عميقة في سير القادة والعظماء الذين تركوا أثرا جميلا. وما ينبغي أبدا أن نتكلم عن القيادة ومقوماتها وكيفية إعداد القائد الملهم دون أن نبدأ بالقائد الأول والملهم العظيم وهو النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه أنشأ أمة من العدم، وربى جيلا فريدا يُضرب به المثل، وجعل أمة قال فيها رستم قائد الفرس حينما التقى بسيدنا ربعي ابن عامر (لولا نتن ريحكم لقتلناكم) يذكره رستم بما كانوا عليه وأنهم أمة ليس لها قيمة ولا وزن، لذلك لم يلتفتوا إليها ولم يعطوها وزنا في عِداد الأمم. ثم استرسل رستم وقال:
ما جاء بكم؟
فرد عليه “ربعي”: لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فمن قَبِلَ ذلك منا قبلنا منه، وإن لم يقبل قبلنا منه الجزية، وإن رفض قاتلناه حتى نظفر بالنصر.
السؤال: ما الذي جعل أمة بتلك الحالة المزرية أن تكون أفضل أمة ذات حضارة وقيم ورسوخ، وأفضل أمة منتجة وأفضل أمة عادلة؟
إنها أيها القارئ الكريم القيادة الملهمة التي عرفت كيف تكتشف القدرات وتستثمر الطاقات وتوظف كل شخصية فيما تتقن وتُبدع، إنها القيادة التي تعرف طرقا وأساليب تُعزز بها الثقة وتطور بها الأداء وتحقق بها الطموحات وما كان يُنظر إليه أن من المستحيلات. القيادة الملهمة هي التي تُلهم الأتباع الرؤية المرشدة، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فيما يتطلع إليه سواء على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد ما معناه (ما رواه الصحابي الجليل تميم بن أوس الداري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ، إلا أدخَله الله هذا الدين بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليلٍ، عزًّا يُعِزُّ الله به الإسلامَ، وذلًّا يُذِلُّ الله به الكفر)؛ رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي، وصحَّحه الحاكم والعلامة الألباني.
حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه حينما قال: شكونا إلى رسول الله ﷺ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصرُ لنا، ألا تدعو لنا؟، فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه.
ثم قال النبي ﷺ: “والله ليُتِمنّ اللهُ هذا الأمر”
إن النبي صلى الله عليه وسلم في أحلك الظروف كان يحفز ويلهم اتباعه ويحركهم نحو الرؤية الملهمة قولا وعملا وليس مجرد أحلام. لذلك قال “مايكل هارت” في كتابه “العظماء مائة” ووضع معايير قبل أن يبدأ في مشروعه ثم بناء على تلك المعايير التي وضعها كان البني صلى الله عليه وسلم رقم (1) لذا قال أحد الشعراء وهو من قصيدة للشاعر العباسي السرِيّ الرّفّاء المَوصِلي
وشمائلٌ شهِد العدو بفضلها
والفضل ما شهدت به الأعداء
ومن ضمن المعايير التي وضعها مايكل هارت:
- أن تكون الشخصية حقيقية وليست وهمية لا نعرف عنها شيئا
- شخصية لها أثر بعيد المدى، وليس فقط في عصره
- تأثيره يتعدى محيط منشأه وبلده
- أن يكون عميق الأثر سواء علميا أو طبيا أو دعويا أو …
- أن يكون أثره عالميا وليس إقليميا
- ألا يكون من الأحياء “لأنه لا يعرف ماذا سيفعل بعد ذلك”
- يكون عميقا مجددا ملهما لشعبه وأمته وعلى تاريخ الإنسانية
وغيرها من المعايير، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول بلا منازع، لأنه توفرت فيه كل مقومات القيادة، والتأثير، والإبداع، والتجديد.
ختاما، سوف أواصل معكم صورا ونماذج للقيادة الملهمة وكيفية إعداد وتأهيل قيادات تكون قادرة على إدارة التغيير. وتجاوز التحديات واستثمار الفرص.
الدكتور حسن أحمد السلهاب
دكتوراه إدارة الأعمال – ومؤلف للعديد من كتب القيادة والتخطيط
21 / 06 / 2024
المراجع:
- التاريخ الإسلامي دروس وعبر …. محمود شاكر
العظماء مائة …… مايكل هارت