|

النظرية الاقتصادية إضاءة مقاصدية

محمد بن عبدالله بن فيصل الحبيشي الجهني دكتوراه في الاقتصاد الإسلامي. (النظرية الاقتصادية إضاءة مقاصدية) تعتبر النظرية الأداة…

محمد بن عبدالله بن فيصل الحبيشي الجهني

دكتوراه في الاقتصاد الإسلامي.

(النظرية الاقتصادية إضاءة مقاصدية)

تعتبر النظرية الأداة الأساس في مختلف العلوم للكشف عن الحقائق العلمية المتعلقة بالظواهر الكونية والحياتية، حيث تقوم على مجموعه من الفروض المتماسكة يراد بها إيجاد تفسيرات للظواهر التي ندرسها.

وتختلف النظرية باختلاف العلوم والنسق الفكري لها، كما تستند إلى مجموعة من القواعد والمبادئ العامة، فضلا عن توافرها على مجموعة من الخصائص، أهمها البعد الفكري النظري المرجعي والبعد التطبيقي التحليلي القابل للاختبار من خلال التطبيق العملي.

وتختلف النظرية في المنظور التقليدي من حيث مفهومها عن المنظور الإسلامي لها -من خلال الفكر النظري المرجعي- وذلك انطلاقا من نظرة الإسلام للكون والحياة والإنسان، حيث يتم استخلاصها من جملة النصوص الشرعية والأحكام المنبثقة عنها والمرتبطة بالظاهرة محل الدراسة، ويتطلب ذلك سلامة الفهم وحسن التأويل في ضوء المقاصد الشرعية، باعتبار أن هناك نصوصا ظنية الدلالة ونصوصا قطعية الدلالة؛ وبالتالي فإن أي نظرية مفاهيمية تبنى على هذا الأساس تعتبر حمالة وجوه، لا سيما فيما يتعلق بالنصوص ظنية الدلالة أولاً، ثم احتياجات الناس وظروفهم الزمانية والمكانية ثانياً، فعلى مر العصور الإسلامية تبلورت كثير من النظريات الإسلامية في حقول المعرفة المتعددة والمختلفة بعناوينها الكثيرة.

فالنظريات الفقهية، تدل على استخدام النظرية في إطارها الإسلامي الشرعي، لاسيما أن مبنى النظرية داخل النسق الإسلامي متعدد بتعدد المذاهب الفقهية، رغم وحدة المرجع والمصدر، فها هو الإمام الشافعي له كتاب (الأم) في العراق، ويسمى: المذهب القديم للشافعي، وله كتاب آخر في مصر ويسمى: المذهب الجديد، وهذا المقاربة يعبر عنها بالنظرية الفقهية ما يسمى: المنهج التجريبي الميداني، وفق الضوابط الشرعية والقواعد المرعية، وكلا الكتابين من مرجع واحد ومصدر واحد، ولكن الواقع وتباين التأويل يوحي بعمق النظرية في الاقتصاد الإسلامي؛ حيث تتشكل النظرية في كل مجال من هذه المجالات من مجموعة الأحكام الشرعية المتعلقة به.

مثل: نظرية العقد، ونظرية الحق، ونظرية الالتزام، ونظرية الملكية، ونظرية الضمان، ونظرية الغرر، ونظرية المقاصد، واستناداً إلى هذه القاعدة العامة في تحديد مفهوم النظرية في المنظور الإسلامي فإنه يمكن القول بوجود نظريات في الاقتصاد الإسلامي تتعلق بمجالات متعددة، كالإنفاق، والاستهلاك، والإنتاج، والتمويل، والسوق، والزكاة، والإرث، والوقف، والاستخلاف، والإعمار، وغيرها، وكلها ذات صلة وعلاقة وطيدة بالاقتصاد الإسلامي ذات ارتباط نظري مرجعي داخل إطار نظرية التنمية بمفهومها الإسلامي.

ولما كانت النظرية في المنظور الإسلامي تختلف من حيث مفهومها ومنطلقاتها عن النظرية في المنظور التقليدي، فلا بد أن يترتب على ذلك اختلافاً في البناء النظري والوظائف والأدوات والنتائج، ففي حين تقتصر تلك الوظائف في المنظور التقليدي على تفسير وتحليل سلوك الظاهرة موضوع الدراسة والتنبؤ به فقط، فإنها في المنظور الإسلامي تتضمن ذلك وتتجاوزها إلى وظائف أخرى مثل التوجيه والضبط والترشيد، والتي تحتاج إلى البعد التطبيقي التحليلي، من خلال الأدوات التجريبية للنظرية في الاقتصاد الإسلامي وفق العلاقات الفطرية والمصلحية والسببية على أرض الواقع، سواء كان عن طريق أدوات القياس والإحصاء أم عن طريق الملاحظة المجردة، ويتم اختبار فاعلية كل نظرية من هذه النظريات من خلال تطبيق مجموعة الأحكام التي تشكلت على أساسها في الواقع العملي، وقياس أثرها التطبيقي، وأن ما يجري عليه الاختبار قد يصلح لمجتمع دون مجتمع ولعصر دون غيره، باشتراط سلامة الفهم وحسن التأويل داخل دائرة مقاصد الشريعة الإسلامية.

وتجدر الإشارة إلى قابلية النظرية في المنظور الإسلامي للتجديد والتطور بتطور الأحكام التي تتشكل، استناداً إلى إعمال النظر المقاصدي في السلوك الاقتصادي.