مهارات ترويض الأفكار البحثية

مهارات ترويض الأفكار البحثية د. علي موسى هوساوي مبتكر نموذجي السيطرة على تراكم المعلومات البحثية وترويض الأفكار البحثية…

مهارات ترويض الأفكار البحثية

د. علي موسى هوساوي

مبتكر نموذجي السيطرة على تراكم المعلومات البحثية وترويض الأفكار البحثية

عميد الدراسات العليا بجامعة أفريقيا الفرنسية العربية- المركز الرئيسي

أستاذ مناهج البحث في العلوم الإدارية والإعلامية بالجامعة الإسلامية بمنيسوتا

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

تمثل الأفكار البحثية الرصينة المرتكز الأساسي للبحث العلمي الرصين في جميع المجالات والتخصصات، ولا شك أن الوصول إلى الأفكار البحثية الرصينة بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، يحتاج إلى مهارات معينة، بالإضافة إلى الالتزام بعدد من المعايير والأسس.

بادئ ذي بدء، وقبل الدخول في موضوع مهارات ترويض الأفكار البحثية، لابد من تعريف الكلمات المفتاحية لهذا المقال العلمي، على النحو الآتي:

-مهارات: جمع مهارة، وقد عرفت المهارات بتعريفات عديدة، منها: ” أنها القدرات والكفاءات التي تمكن الأفراد من أداء مهام أو أنشطة محددة بشكل فعال”

ترويض: مما جاء في بعض المعاجم العربية،” روض الغيث المكان: أي جعله أخضراً ذا بساتين، روض المدرب الوحش: أي راضه ودربه ليكون مطيعاً”

. المقصود بالترويض في هذا المقال: تقويم الأفكار وتصنيفها وتعديلها، ومن ثم اختيار الفكرة المناسبة ذات الصلة بالتخصص الدقيق، وفق منهجية البحث العلمي.

لابد من التوضيح أن استخدام كلمة الترويض مع الأفكار البحثية، هو من باب الاستخدام الرمزي، فكلمة ترويض تستخدم رمزياً في العديد من الأمور، مثل: ترويض النفس، ترويض الإنسان، ترويض الإنترنت، وهذه دلالة واضحة بأنها لا تحمل أي معنى سلبي، سواءً كانت بمعناها الحقيقي أو بمعناها الرمزي، فالترويض بمفهومه العام هو التقويم والإصلاح والتعديل.

الأفكار البحثية: كل ما يتردد على ذهن الباحث من أفكار ومقترحات بحثية، من خلال تأمله واطلاعه وتجربته العملية، أو تحليلاته للواقع، في مجال تخصصه العلمي.

ويمكن القول: بأن الفكرة البحثية عبارة عن تصور مبدئي لموضوع ما، يرى الباحث أهمية طرح ذلك الموضوع، ومناقشته، وتحليله، بطرق علمية.

وهذا يقودنا إلى توضيح مهم، هو أن الفكرة البحثية ليست خطة بحثية ولكنها الطريق الأولي لإعداد الخطة البحثية المتكاملة بعد نضوج الفكرة البحثية، فالخطة البحثية عبارة عن الخطوات المنهجية التي يكتبها الباحث بلغة المستقبل، لكيفية تنفيذ فكرته البحثية.

مهارات ترويض الأفكار البحثية عديدة ومتشبعة؛ لذا اختزلتها في نموذج ترويض الأفكار البحثية، الذي احتوى على ستة عناصر، على النحو الآتي:

العنصر الأول: عصف وتصنيف: أي مهارة استدعاء الأفكار ثم تصنيفها وغربلتها، وذلك بالتأمل والتدبر فيها مراراً وتكراراً، حتى تتميز معانيها فيؤخذ الجيد من تلك الأفكار.

الباحث الجيد هو من يستطيع التمييز بين الأفكار الجيدة وغير الجيدة، ثم يقتنص الأفكار الجيدة المناسبة ويطورها، ثم يجعل منها موضوعاً لبحثه.

العنصر الثاني: ارتباط واهتمام: أي مهارة معرفة مدى ارتباط الفكرة بالتخصص الدقيق للباحث، ومعرفة مدى شغفه واهتمامه بتنفيذ تلك الفكرة.

إذا لم تكن الفكرة مرتبطة بالتخصص الدقيق للباحث، ولم يكن لديه شغف واهتمام لتنفيذ تلك الفكرة، فمن الأفضل استبعاد تلك الفكرة، والبحث عن فكرة أخرى مرتبطة بتخصصه الدقيق، بالإضافة إلى وجود الشغف والاهتمام لتنفيذ تلك الفكرة.

العنصر الثالث: فائدة وتطبيق:

من الأهداف الأساسية لإجراء الأبحاث العلمية، تحقيق الفوائد على المجتمعات، من خلال التثقيف، والتوعية، والتنمية، وتقديم الحلول والمقترحات، والمساهمة في حل المشكلات؛ لذا لابد أن يتأكد الباحث عن مدى تحقيق الفائدة من البحث الذي ينوي إجرائه، ولابد أن يتأكد من إمكانيته وقدرته على إجراء البحث وتطبيقه.

لابد أن يدرك الباحث أن ميوله واهتماماته الشخصية ليست المعيار الوحيد لاختيار فكرة البحث وموضوعه، فقد يولي الباحث اهتماماً بموضوعات ليس من السهل دراستها رغم أنها جديرة بالدراسة، ولكن لا سبيل إلى دراستها؛ بسبب انعدام الأساليب الملائمة لبحثها، أو عدم توافر المصادر والمراجع، أو عدم توافر معلومات عنها، أو لصعوبة الحصول على البيانات الضرورية لدراستها، أو بفعل الوقت الذي تتطلبه لإنجازها، وفي هذا المجال ينبغي ألا يغيب عن ذهن الباحث أنه محكوم بأنظمة جامعته ولوائحها المنظمة للحد الأقصى للوقت اللازم لإنجاز بحثه.

العنصر الرابع: أهمية وإضافة:

لابد أن يتأكد الباحث من أهمية طرح الموضوع من الناحية العلمية والعملية، والإضافة التي يمكن أن يقدمها، والفجوة التي يمكن أن يغطيها.

الأهمية النظرية تعني أن يضيف الموضوع إلى المعرفة في المجال الأكاديمي الذي يندرج تحته، ويدفع تلك المعرفة إلى الأمام، أما الأهمية العملية أو التطبيقية فتعني تقديم إسهامات عملية في مجال تخصص الباحث.

العنصر الخامس: صياغة عنوان بحثي دقيق:

لابد أن يمتلك الباحث مهارة صياغة فكرته البحثية في عنوان بحثي دقيق، يحدد زاوية المعالجة التي سيتناولها، بعيداً عن العناوين العامة التي لا تصلح للأبحاث العلمية.

العنوان البحثي الدقيق يعكس الأهداف والمخرجات المتوقعة، كما أنه يعكس التفرد والأصالة لموضوع البحث.

العنصر السادس: كتابة خطة بحثية واضحة المعالم:

لابد أن يمتلك الباحث مهارة كتابة خطة بحثية واضحة المعالم، للفكرة البحثية التي ينوي طرحها.

الخطة البحثية الواضحة ترشد الباحث وتوجهه وترسم له خارطة الطريق.

الخطة البحثية الواضحة تعكس مدى وعي الباحث بموضوع بحثه، ومستوى قراءاته واطلاعاته، كما أنها تقدم تصوراً للعقبات التي يمكن أن تعترض طريق الباحث، وكيفية الاستعداد لتلك العقبات قبل البدء في إجراء البحث.

أؤكد في ختام هذا المقال على أهمية التدرب على مهارات ترويض الأفكار البحثية، من خلال القراءة والاطلاع، وحضور المحاضرات والمناقشات العلمية، والتحاور مع الخبراء في مجال تخصص الباحث، وأن يتذكر الباحث دائماً أن البحث العلمي الرصين بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، بدأ بفكرة بحثية رصينة، والفكرة البحثية الرصينة بدأت بأفكار عديدة تم تصنيفها ثم ترويضها.

المراجع

كتاب نموذج ترويض الأفكار البحثية، د. علي موسى هوساوي، دار ريادة، جدة، 2024م.

ورشة تدريبية بعنوان (مهارات وخطوات تحويل الفكرة البحثية إلى خطة بحثية)، د. علي موسى هوساوي، 2024م