التدقيق الشرعي الخارجي في المؤسسات المالية الإسلامية
د. جمال أحمد محمد سعيد
استاذ مساعد – قسم المحاسبة
كلية العلوم الإدارية والإنسانية
جامعة البيضاء
التدقيق الشرعي الخارجي في المؤسسات المالية الإسلامية
تعتبر المؤسسات المالية الإسلامية جزءًا حيوياً من النظام المالي العالمي، حيث تقدم خدمات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية، ومع تزايد أهمية هذه المؤسسات وتوسع نطاق عملها، أصبح من الضروري ضمان الالتزام بالمعايير الشرعية في جميع عملياتها، حيث يأتي التدقيق الشرعي الخارجي كأداة هامة لضمان هذا الالتزام، فيتم من خلاله تقييم مدى توافق أنشطة المؤسسات المالية مع المبادئ والضوابط الشرعية، وتعزيز الثقة والشفافية فيها.
وبذلك تستند فكرة التدقيق الشرعي الخارجي في الأساس على مبدأ تطوير الفتوى والرقابة الشرعية وتمهينها للمصارف المالية الإسلامية بطريقة تُجاري وتواكب متطلبات النظم المؤسسية المعاصرة بهدف التحول إلى نظام مؤسسي يرتكز على معايير وإجراءات وأسس تضمن جودة التنفيذ وكفاءة الإنجاز لمجاراة التطور المهني والتقني المتزايد في أعمال المصارف المالية الإسلامية.
تعريف التدقيق الشرعي الخارجي:
التدقيق الشرعي الخارجي، هو: جهاز من خارج المؤسسة المالية يهدف إلى فحص ومتابعة وتحليل جميع الأعمال التي تقوم بها المؤسسات للتأكد من أنها تتم بناءً على أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية، ويتم ذلك عن طريق توظيف مجموعة الوسائل والأساليب المشروعة والملائمة، وتوضيح المخالفات والأخطاء، وتقديم التقارير إلى الجهات المختصة متضمنة النصائح والملاحظات والإرشادات التي تدفع إلى التطور نحو الأفضل (أبو بكر، 2013، 25).
يمكن تعريف التدقيق الشرعي الخارجي بأنه: شكل من أشكال الرقابة الإدارية تهدف إلى التحقق من التطبيق السليم للمعاملات المصرفية الإسلامية بما يتناسب مع المعايير الشرعية.
وهو التدقيق الذي يقوم به المدقق الشرعي الخارجي بهدف مساعدة هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في تكوين رأي بشأن التزام المؤسسة بأحكام الشريعة الإسلامية (البعلي، 2013، 151).
أهمية التدقيق الشرعي الخارجي: وتبرز هذه الأهمية في الآتي:
- يضمن التدقيق الشرعي الخارجي أن جميع الأنشطة المالية في المؤسسة تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
- يعزز التدقيق الشرعي الخارجي من ثقة العملاء والمستثمرين في المؤسسة المالية الإسلامية.
- يساهم التدقيق الشرعي الخارجي في تحسين الحوكمة في المؤسسة من خلال تطبيق الضوابط والسياسات الشرعية.
- يقدم المدققون الشرعيون الخارجيون التوجيه والمشورة للمؤسسة حول كيفية تعزيز الالتزام الشرعي وتحسين الممارسات.
- يعزز التدقيق الشرعي الخارجي من الشفافية في المؤسسات المالية الإسلامية من خلال تقارير دقيقة وموضوعية حول مدى التزامها بمبادئ الشريعة الإسلامية.
- يحقق تطبيق استراتيجية التدقيق الشرعي الخارجي التأثير الإيجابي والفعال باتجاه تقويم وتطوير الجوانب الإجرائية.
أهداف التدقيق الشرعي الخارجي:
يهدف التدقيق الشرعي الخارجي إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية في المؤسسات المالية الإسلامية، وتتمثل فيما يلي:
- التأكد من مدى التزام المصارف المالية الإسلامية بمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية.
- تطوير عقود وصيغ ونماذج معتمدة شرعاً كبدائل للتطبيقات غير المشروعة.
- ابتكار منتجات مصرفية وتمويلية واستثمارية جديدة ومتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
- تقييم المخاطر المحتملة المتعلقة بعد التزامها بمبادئ الشريعة الإسلامية.
- تحقيق التزام العاملين في المصارف المالية الإسلامية بالأحكام الشرعية الواجب مراعاتها أثناء ممارسة النشاط المصرفي الإسلامي.
- تعزيز ثقة العملاء والمستثمرين بشرعية المعاملات التي تقدمها المصارف المالية الإسلامية.
إجراءات عمل التدقيق الشرعي الخارجي:
- وضع خطة عمل دقيقة ومناسبة لتنفيذ عملية التدقيق الشرعي الخارجي (برنامج المراجعة) على أن تتضمن توزيع الوقت المتاح على الاختبارات المطلوبة، وتخصيص المساعدين والإشراف عليهم (شويدخ، 2003، 12).
- إجراء دراسة وتقييم لنظام التدقيق الداخلي المطبق داخل المصارف المالية الإسلامية ليتم الاعتماد عليه في تحديد حجم الاختبارات والإجراءات المطلوبة لتنفيذ عملية التدقيق الشرعي الخارجي.
- التوصل إلى أدلة كافية ومناسبة لعملية الفحص والملاحظة والاستقصاء لاعتماد هذه الأدلة كأساس سليم يرتكز عليه المدقق الشرعي الخارجي في إبداء الرأي (القطان، 2004، 25).
- إعداد التقرير النهائي، والذي يجب أن يتضمن رأيا يستند إلى تأكد معقول بأن المصارف المالية الإسلامية قد قام بواجبه تجاه الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية فيما نفذه من معاملات (مشعل، 2005، 8).
آليات التدقيق الشرعي الخارجي:
يعتمد التدقيق الشرعي الخارجي على عدة آليات لضمان فعالية التدقيق، وتحقيق أهدافه، وتتمثل فيما يلي:
- تقييم السياسات والإجراءات المالية للتأكد من توافقها مع الشريعة الإسلامية.
- فحص العمليات المالية المختلفة للتأكد من تطبيق المبادئ الشرعية.
- تحليل البيانات المالية للتأكد من دقتها وموافقتها للمعايير السرعية.
- تقديم توصيات لتحسين الالتزام الشرعي وتطوير السياسات والإجراءات.
- التواصل مع الإدارة لشرح نتائج التدقيق وتقديم التوجيه اللازم.
معايير التدقيق الشرعي الخارجي:
- معايير تحديد المفاهيم ونطاق العمل.
- المعايير الشرعية الخاصة بتنفيذ العمليات.
- المعايير الخاصة بجودة العمل المهني (معايير الضبط).
- المعايير المتعلقة بآداب المهنة.
- المعايير المتعلقة بالخبرات الأكاديمية والعملية للمدقق الشرعي الخارجي.
- المعايير المتعلقة بالتأهيل المهني المستمر.
- المعايير المتعلقة بجودة الأداء المهني.
- المعايير المتعلقة بإلزام المصارف المالية الإسلامية بتطبيق التدقيق الشرعي الخارجي.
- المعايير المتعلقة بتنظيم المهنة.
التحديات التي تواجه التدقيق الشرعي الخارجي:
يواجه التدقيق الشرعي الخارجي عدة تحديات قد تؤثر على فعاليتها، وتتمثل هذه التحديات في الآتي:
- نقص في الوعي والمعرفة بأهمية التدقيق الشرعي الخارجي وفوائده في بعض المؤسسات المالية الإسلامية.
- نقص في الكفاءات والخبرات اللازمة للقيام بعمليات التدقيق الشرعي الخارجي بشكل فعال.
- تكلفة تطبيق التدقيق الشرعي الخارجي مرتفعة، وخاصة بالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية الصغيرة.
- تعقيد العمليات المالية في بعض المؤسسات، مما يزيد صعوبة تطبيق التدقيق الشرعي الخارجي.
- نقص المعايير الموحدة للتدقيق الشرعي الخارجي، مما يزيد من صعوبة تطبيقها بشكل موحد.
- قد تواجه المؤسسات المالية الإسلامية تحديات تنظيمية تؤثر على تطبيق التدقيق الشرعي الخارجي.
ايجابيات وسلبيات تطبيق التدقيق الشرعي الخارجي في المصارف الإسلامية:
الايجابيات:
- التأكد من مدى التزام المصارف المالية الاسلامي بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية في معاملاتها.
- يساهم التدقيق الشرعي الخارجي بدفع المصارف المالية الإسلامية إلى الانضباط والالتزام الشرعي وتطويره.
- حصول المصارف المالية الإسلامية على تأكيد معقول بالالتزام بالأحكام الشرعية في إيراداتها، واستثمارات أصولها، والتمويل بالخصوم، والتمويل بحقوق الملكية، وتوزيع الأرباح، وخفض المخاطر من جهة مستقلة.
- حصول المصارف المالية الإسلامية على تأكيد معقول بالالتزام بالأحكام الشرعية محلياً ودولياً، مما يحفز من تداول أسهمها وصكوكها في البورصة (السوق المالي).
السلبيات:
- تكلفة تطبيق التدقيق الشرعي الخارجي مرتفعة، خاصة للمؤسسات المالية الإسلامية الصغيرة.
- نقص في الكفاءات والخبرات اللازمة للقيام بعمليات التدقيق الشرعي الخارجي بشكل فعال.
- قد تكون العمليات المالية في بعض المؤسسات المالية معقدة، مما يزيد من صعوبة تطبيق التدقيق الشرعي الخارجي.
- قد يسبب التدقيق الشرعي الخارجي تداخلاً مع العمليات الداخلية للمؤسسة مما يؤثر على كفاءة العمل.
- قد يكون هناك نقص في الشفافية في بعض عمليات التدقيق الشرعي الخارجي، مما يؤثر على ثقة العملاء والمستثمرين.
- قد يؤثر التدقيق الشرعي الخارجي على استقلالية المؤسسة المالية الإسلامية في اتخاذ القرارات.
التدقيق الشرعي الخارجي والذكاء الاصطناعي:
أن التدقيق الشرعي الخارجي والذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مزيجاً قوياً في تحسين كفاءة وفعالية عمليات التدقيق في المؤسسات المالية الإسلامية، فالذكاء الاصطناعي له تأثير في التدقيق الشرعي الخارجي في معالجة كميات كبيرة من البيانات بسرعة وبدقة، مما يقلل من الأخطاء البشرية ويعزز جودة التدقيق، كما يمكنه اكتشاف الأنماط غير العادية والشذوذ في البيانات، مما يساعد في تحديد الاحتيال والمخاطر المحتملة، ويمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة المهام الروتينية، مما يسمح للمدققين بالتركيز على المجالات الأكثر أهمية التي تتطلب حكماً دقيقاً، كما أن الذكاء الاصطناعي يساعد في تعزيز جودة التدقيق من خلال تحليل البيانات الضخمة وتحديد المخاطر المحتملة، كما أنه يساعد في اتخاذ قرارات مدروسة ومستنيرة من خلال تقديم معلومات قيمة للمدققين (خليل، وجياد، 2024).
التدقيق الشرعي الخارجي في الجمهورية اليمنية:
يلعب التدقيق الشرعي الخارجي في الجمهورية اليمنية دوراً هاماً في ضمان التزام المؤسسات المالية الإسلامية بمبادئ الشريعة الإسلامية، كما إن للتدقيق الشرعي الخارجي في الجمهورية اليمنية أهمية في ضمان الالتزام الشرعي من خلال تأكدها أن جميع الأنشطة المالية في المؤسسة تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وتعزيز ثقة العملاء والمستثمرين، وتعزيز الحوكمة في المؤسسة المالية الإسلامية (عقه، والشرعبي، 2024).
كما أنه يتمثل دور المدققين الشرعيين الخارجيين في الجمهورية اليمنية في تقييم السياسات والإجراءات المالية، وفحص العمليات المالية المختلفة للتأكد من تطبيق المبادئ الشرعية، وتقديم التوصيات لتحسين الالتزام الشرعي وتطوير السياسات والإجراءات.
ومن التحديات التي تواجه التدقيق الشرعي الخارجي في الجمهورية اليمنية، نقص الوعي والمعرفة بأهمية التدقيق الشرعي الخارجي، ونقص الكفاءات والخبرات اللازمة للقيام بعمليات التدقيق الشرعي الخارجي بشكل فعال، وكذلك تكلفة تطبيق التدقيق الشرعي الخارجي مرتفعة.
المراجع:
- أب بكر، أسامة. (2013). شركات التدقيق الشرعي الخارجي الحاجة – الواقع – الطموح، مؤتمر التدقيق الشرعي الرابع، المنامة، البحرين.
- البعلي، عبد الحميد. (2013). الرقابة الشرعية في المؤسسات الإسلامية، المؤتمر العالمي للاقتصاديات الإسلامية، جامعة أم القرى.
- خليل، ذكرى عبد الرزاق، وجياد، دعاء أحمد. (2024). استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في جودة التدقيق الخارجي – دراسة استقصائية، مجلة الكوت للعلوم الاقتصادية والإدارية، المجلد 16، العدد 53.
- شويدخ، أحمد. (2003). دور هيئة الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية في قطاع غزة، مجلة الجامعة الإسلامية، مج 11، ع (2)، غزة.
- عقه، فواز محمد صغير، والشرعبي، نبيل محمد سعيد. (2024). دور المراجعين الداخليين في الحد من الاحتيال المالي في المنظمات غير الهادفة للربح في اليمن، مجلة القلم للعلوم الإنسانية والتطبيقية، مجلد 11، العدد 42
- القطان، محمد. (2004). الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية، المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، السعودية.
- مشعل، عبدالباري. (2005). الرقابة الشرعية للمصرف المركزي المؤسسات المالية الإسلامية، مؤتمر المؤسسات المالية الإسلامية معالم الواقع وآفاق المستقبل، جامعة الإمارات العربية المتحدة.

