دور المرأة في التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي
دور المرأة في التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي د. آلاء عادل العبيد – كلية الشريعة جامعة الكويت بسم…

دور المرأة في التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي
د. آلاء عادل العبيد – كلية الشريعة جامعة الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الإسلام دين شامل يتناول جميع جوانب الحياة الإنسانية، ويقدّم نظامًا متكاملًا ينظم علاقة الإنسان بربه وعلاقته بالمجتمع، والتنمية الاقتصادية في الإسلام جزء من رؤية شاملة تهدف إلى تحقيق الخير للإنسان في جميع شؤونه الدنيوية والأخروية، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل: 89).
تنطلق التنمية الاقتصادية في الإسلام من رؤية تجعل الإنسان هوأهم أركان البناء والتعمير؛ بل هو محور البناء والتنمية، وبصلاحه صلاح العالم، قال تعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (هود: 61). فالإنسان في نظر الشريعة الإسلاميةأكبر من كونه مجرد مستهلك للموارد أو عامل إنتاج؛ بل هو خليفة في الأرض مكلف بعمارتها وإقامة العدل فيها؛ ومن هنا، فإن التنمية الاقتصادية في الإسلام تتجاوز الأبعاد المادية لتشمل البناء الروحي للإنسان، ليكون قادرًا على أداء دوره في تحقيق العبودية التي خلقها الله لأجلها، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56).وهذا البناءالمعنويللنفوسهوالأساسالذييبنىعليه المفهوم الشامل للتنمية في الإسلام،بمايربط بين حاجات الإنسان المادية والروحية، ويحقق التوازن بين مصالح الدنيا ومقاصد الآخرة.
جاء الخطاب القرآني موجهًا إلى جميع البشر رجالًا ونساءً دون تفريق في أصل الحقوق والواجبات. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ (الحج: 1). ولم يفرّق خطاب الوحي بين الرجل والمرأة إلا في أحكام محدودة تناسب طبيعة كل منهما، ومعيار التفاضل هو التقوى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13).
رفع الإسلام مكانة المرأة وأكرمها بما لم تُكرّم به في أي دين أو فلسفة أخرى،حيث حررها من العبودية لغير الله، وجعلها قُرَّة عين في طفولتها، ومعززة في شبابها، ومكرمة في زواجها، وألزم الزوج بإكرامها والإنفاق عليها، واعترف بأهليتها وحقها في العبادة، ومنحها حق الكسب والتملك والتصرف بما تملك، ومنحها حرية العمل والإرادة.
الدور الاقتصادي للمرأة في الإسلام
يتجلى الدور الاقتصادي للمرأة في الإسلام من خلال ما أقرّته الشريعة من حقوق، كحق التملك، والتصرف، والعمل، بما يتوافق مع فطرتها الإنسانية ورسالتها في عمارة الأرض.
حق التملك
أقرّ الإسلام استقلال ذمة المرأة المالية؛ فجعل تصرفاتها التجارية والعقود التي تبرمها صحيحة وغير متوقفة على موافقة ولي أو زوج، ويحق لها اكتساب الأموال وتملكها وإنفاقها والتصرف فيها في الأمور المشروعة ووفق الضوابط الشرعية، ومن أمثلة ذلك:
- السيدة خديجة رضي الله عنها: كانت تاجرة ذات شأن، تدير مشروعًا تجاريًا وتوظف العمال فيه.[1]
- عائشة رضي الله عنها: حين خيّرها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بين الأرض والثمار عند تقسيم أراضي خيبر، اختارت الأرض للاستثمار الزراعي.[2]
- المرأة التي امتلكت مشروعًا للنجارة: طلب النبي ﷺ منها إعداد أعواد للجلوس عليها، مما يدل على الاعتراف بملكيتها واستقلاليتها في إدارة مشروعها.[3]
الحرية الاقتصادية ضمن الضوابط الشرعية
أثبت الإسلام للمرأة حرية اقتصادية واسعة، إذ يحق لها إدارة أموالها والتصرف بها من خلال البيع، أو الإيجار، أو التصدق، أو الهبة، مع استقلال شخصيتها القانونية عن الرجل، ومع ذلك، فإن هذه الحرية ليست مطلقة، بل مقيدة بضوابط شرعية تحكم الإنتاج والاستهلاك، ومنها:
- المرأة المنتجة: تملك عناصر الإنتاج من خلال العمل أو الميراث، وتتمتع بحرية التصرف في الأموال المكتسبة، شريطة الالتزام بالضوابط التي تحكم استخدام الموارد وتوجيهها نحو الأغراض المشروعة.
- المرأة المستهلكة: حرة في استهلاك ما تشاء، بشرط الاعتدال وعدم تجاوز الحدود الشرعية التي تمنع الإسراف أو التبذير أو البخل.
الضوابط العامة للدور الاقتصادي
يراعي الإسلام في تنظيم الدور الاقتصادي للمرأة تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، بحيث تسهم المرأة في التنمية الاقتصادية دون الإخلال بمسؤولياتها الأخرى، كما تحكم هذه الحرية قواعد أخلاقية ومقاصدية تهدف إلى تحقيق العدالة والاعتدال في التعاملات المالية.
دور المرأة الاقتصادي في الإسلام
أوجبت الشريعة الإسلامية على الرجل كفالة المرأة ورعايتها، وهذا هو المنهج الأمثل الذي ينسجم مع الفطرة. ومع ذلك، قد لا يتحقق هذا الواجب دائمًا بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية؛ فقد يضيق على بعض الرجال رزقهم، أو لا تحظى بعض النساء بمن يعولهن، ومن ذلك قصة ابنتي شعيب -عليه السلام- حين خرجتا لسقي مواشيهما لأن أباهما شيخ كبير لا يستطيع العمل.
نماذج من دور المرأة في العمل:
- رائطة زوج ابن مسعود رضي الله عنهما: كانت صانعة اليد تصنع وتبيع وتنفق على زوجها وولدها. ذكرت أنها لا تستطيع التصدق بسبب حاجتهم إلى دخلها، فقال لها رسول الله ﷺ: “أنفقي عليهم، فإن لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم”[4]
- حادثة خالة جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: خرجت خالته خلال عدتها لتعمل بجني ثمار نخلها. وعندما نهاها رجل عن ذلك، سألت النبي ﷺ فقال: “اخرجي فجدي نخلك، لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرًا”[5]
شروط وضوابط عمل المرأة:
- الحاجة: يجوز للمرأة الخروج للعمل عند الحاجة، استنادًا إلى حديث رسول الله ﷺ: “قد أُذن أن تخرجن في حاجتكن”.[6]
- الحشمة: الالتزام باللباس الشرعي والاحتشام، كما قال تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ (النور: 31).
- العفة: الابتعاد عن الاختلاط غير الضروري مع الرجال بما يؤدي إلى الفتنة.
- المشروعية: أن يكون العمل مشروعًا، بعيدًا عن المحرمات.
- التوافق مع الفطرة: مراعاة طبيعة المرأة فيما تختاره من أعمال.
- عدم إهدار الواجبات العينية: مراعاة ألا يتعارض العمل مع واجباتها الأساسية، مثل تربية الأبناء ورعاية الزوج.
مساهمة المرأة في التنمية الاقتصادية:
يرتكز الاقتصاد الإسلامي على مبدأ الاستخلاف، الذي يجعل الرجل والمرأة شريكين في مسؤولية عمارة الأرض، وقد أقر الإسلام للمرأة حقوقًا اقتصادية تشمل العمل والتملك، ضمن ضوابط شرعية تكفل لها الكرامة وتصون دورها الأساسي.
المشروعاتالصغيرة وتمكين المرأة
المشروعات الصغيرة تُعَدُّ إحدى أهم الأدوات لتمكين المرأة اقتصاديًا، خاصة في الدول النامية؛فقد برزت النساء في مجالات متعددة؛مثل بعض الصناعات اليدوية،وبيع الحلوى،تُسهم هذه المشروعات في تحسين دخل الأسرة، وتعزيز ثقافة الادخار.
إلى جانب الدور الإنتاجي للمرأة،تتميزالمرأةبقدرتها على تسويق المنتجات،ممايعزّزمن قيمةهذه المشروعات كرافدٍقوي للاقتصادالمحلي، وبالتالي الإسهام بشكل أو بآخرفي تقليل الاعتماد على الوظائف الحكومية،والحد من البطالة،وخلق فرص عمل جديدة.
تمتازالمشروعات الصغيرةأيضًابمرونتها،ممايُمكِّن النساءمن استغلال أوقات الفراغ في نشاطات مثمرةتعودبالنفع على الأسرةوالمجتمع،ومن ثم،تُعدهذه المشروعات وسيلةفعالةلتحفيزالتنميةالمستدامةوتعزيزالدورالاقتصادي للمرأة،استثمار طاقات المرأة في مثل هذه المشروعات الصغيرة يعزز الاقتصاد الوطني ويحقق التوازن بين العمل والالتزام بالقيم الإسلامية.
تعد مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية خطوة أساسية نحو تحقيق رؤية اقتصادية إسلامية متكاملة، توازن بين تمكين المرأة والالتزام بالضوابط الشرعية، مما يجعلها شريكًا حقيقيًا في بناء المجتمع دون الإخلال بخصوصياتها الفطرية، وهذا ما يؤكده الإسلام من تكامل أدوار الرجل والمرأة في تحقيق التنمية الاقتصادية، كما في قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة: 71).
وفق الله بنات المسلمين لما فيه خير للبلاد والعباد، هذا والله أعلى وأعلم وصلى والله وسلم على نبينا محمد على آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
[1] انظر: سيرة ابن هشام، (1 /220)
[2] انظر:الطبقات الكبرى: لابن سعد،(8/64)
[3] صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب القعود على الحصير والخُصَفة، حديث رقم 477.
[4] واه البخاري في صحيحه، كتاب: الزكاة، باب: الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، حديث رقم 1466.
[5] رواه مسلم في صحيحه، كتاب: الطلاق، باب: وجوب الإحداد في عدة الوفاة، حديث رقم 1483.
[6] رواه البخاري في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: خروج النساء لحوائجهن، حديث رقم 5245، ورواه مسلم في صحيحه، كتاب: السلام، باب: استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد، حديث رقم 2179
مقال منشور في مجلة اقتصادنا الإسلامي – مجلة مُحكِّمة