مناهج مؤشرات الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ومقترحات تطويرها

مناهج مؤشرات الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ومقترحات تطويرها (مؤشر شريعة EGX33 أنموذجا) د. عزالدين فكري تهامي([1]) مقدمة:…

مناهج مؤشرات الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ومقترحات تطويرها

(مؤشر شريعة EGX33 أنموذجا)

د. عزالدين فكري تهامي([1])

مقدمة:

الأسواق المالية هي مكان التقاء المدخرين بالمستثمرين، حيث تلعب دوراً حيوياً في تحويل الأموال من الفئات التى لديها فوائض مالية وتعرف بالمقرضين إلى الفئات التى تعانى من عجز والتى تسمى بالمقترضين مما يساعد فى عمليات الاتصال بين الاقتصاديات الحقيقية والمالية. وتنقسم الأسواق المالية من حيث المدة التي يرغب المدخر في التخلي فيها عن فائضه إلي أسواق النقد وأسواق رأس المال، كما تنقسم من حيث طبيعة العمليات التي تقوم بها هذه الأسواق إلي أسواق القروض وأسواق الأوراق المالية.

ويختلف المتعاملين فى سوق الأوراق المالية بناء على أهدافهم فهناك المستثمرون الذين يقومون بالاستثمار فى أسهم الشركات للحصول علي العائد وهؤلاء يحتفظون بأسهمهم لفترات طويلة وعادة ما يتجاهلون التذبذبات السعرية اليومية لأسعار السوق. أما النوع الأخر من المتعاملون وهو ما يطلق عليهم المضاربون وهم على خلاف المستثمرين حيث يتم التركيز على إنتهاز الفرص من التحركات السعرية قصيرة الأجل لتحقيق مكاسب سريعة بغض النظر عن مستوى أداء الشركة.

وعلى الرغم من أن الهدف الأساسى سواء للمستثمرين أو المضاربين من الإستثمار فى الأسهم هو تعظيم الأرباح والمحافظة على رأس المال وضمان التوازن بين السيولة والربحية إلا أن هناك أهداف أخرى للمستثمرين الراغبيبن فى شراء وتداول الأسهم المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية تتمثل فى طاعة الله ورسوله الكريم بما يخدم المصالح العامة والفردية عن طريق حصر الإستثمار فى الأنشطة المشروعة (الحلال) وتجنب الأنشطة المحرمة.

وتهدف هذه المقالة إلي مناقشة الأسس العامة تلك لمنهجيات بناء مؤشرات الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، ثم بيان مدي الحاجة إلي تطوير تلك المؤشرات، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف فسوف يتناول البحث – بإيجاز – النقاط التالية: ماهية مؤشرات أسعار الأسهم الإسلامية، آليات بناء مؤشرات أسعار الأسهم الإسلامية مؤشر شريعة EGX33 (أنموذجا)، ومقترحات الإصلاحات المطلوبة لمنهجيات بناء مؤشرات الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

1/1 تعريف المؤشر:

تشتق كلمة المؤشر من الفعل “أشار” إليه بيده أو نحوها، بمعني أومأ إليه معبرا عن معني من المعاني كالدعوة إلي الدخول أو الخروج، وبذلك فإن إضافة هذه الكلمة إلي أسعار الأسهم تعني أن هذه المؤشرات توميء إلي أسعار هذه الأسهم. وأما عن تعريف المؤشر Index في الإصطلاح، فقد عرفت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) المؤشر بأنه رقم يحسب بطريقة إحصائية بالاستناد إلي أسعار حزمة مختارة من الأوراق المالية أو السلع التي يتم تداولها في الأسواق المالية المنظمة، أو غير المنظمة، و/أو كلتيهما، وإعطاء كل منها وزنا (ثقلا) من خلال قيمتها في السوق، وتقسيم المجموع علي رقم ثابت، ومن أشهر المؤشرات الرقم القياسي لتكاليف المعيشة، ومن المؤشرات مؤشرات الأسواق المالية المشهورة مثل مؤشر داو جونز، ومؤشر فوتسي (ايوفي، المعيار الشرعي رقم 27). والمقصود برقم قياسي يحسب بطريقة إحصائية أي أنه رقم قياسي يعتمد علي مجموعة من المتوسطات الحسابية تستند إلي أسعار مجموعة من الأسهم التي يتكون منها والتي تكون متداولة في سوق مالية، حيث يأخذ السهم ويوزن في هذا المؤشر بناء علي قيمته السوقية، ويقسم مجموع هذه الأسعار علي رقم ثابت (10 أو 100 أو 1000) يسمي القاسم Divisor.

1/2 نماذج من مؤشرات الأسهم:

ظهرت مؤشرات أسعار الأسهم التقليدية لأول مرة في نهاية القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة الأمريكية علي يد (داو Dow) وشريكه (جونز Jones) في بورصة نيويورك للأوراق المالية، ومن أهم مؤشرات الأسهم التقليدية العالمية: مؤشر داو جونز Dow Jones Industrial Average (DJIA) والذي يضم أسهم أكبر 30 شركة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 Standard and Poor’s 500 (S&P 500) وهو مؤشر يتضمن أسهم 500 شركة كبرى موزعة في مختلف القطاعات، مؤشر فوتس 100 Financial Times Stock Exchange 100 Index (FTSE100) هو مؤشر يتبع أكبر 100 شركة في بورصة لندن من حيث القيمة السوقية.

إلا أن هذه المؤشرات التقليدية قد تخالف الضوابط والأحكام الشرعية سواء من حيث طبيعة نشاط الشركات المدرجة في المؤشر أو من حيث البيع والشراء لتلك المؤشرات. ومع انتشار المؤسسات المالية الإسلامية ونمو حجم التمويل الإسلامي وتزايد الطلب علي الخدمات المالية الإسلامية، ظهرت الحاجة إلي وجود مؤشرا تنضبط بأحكام الشريعة الإسلامية وتخلو من كل المخالفات القائمة في المؤشرات التقليدية.

1/3 المستند الشرعي لبناء مؤشرات أسعار الأسهم الإسلامية:

مع تزايد اهتمام المستثمرون بربط أصولهم بالمؤشرات من ناحية، وتزايد حجم التمويل الإسلامي والإنتشار الجغرافي للمسلمين في معظم دول العالم، وانتشار البنوك الإسلامية وما تمارسه من استثمارات تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، ظهرت الحاجة إلي وجود مؤشرات للأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. وتهدف مؤشرات الأسهم المتوافقة مع الشريعة إلي قياس أداء أسهم الشركات المساهمة التي تتوافق أنشطتها وسلوكها المالي مع متطلبات الشريعة وفق المعايير الشرعية المعتمدة من لجنة الرقابة الشرعية للمؤشر. ويرتكز المستند الشرعي لتلك المؤشرات علي عدة نقاط منها:

  • أن المحافظة علي المال كأحد مقاصد الشريعة الإسلامية الخمس وهي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
  • أن المحاكاة للأدوات التقليدية في السوق المالية وجه من وجوه الاستفادة المشروعة مع الحفاظ في ذات الوقت علي أصالتها بالالتزام بالضوابط الشرعية، ورفع الحرج والمشقة عن المسلمين الذين يتعاملون بالمعاملات المالية الجديدة.
  • كما تساهم مؤشرات أسعار الأسهم في تحقيق توافر المعلومات الموضوعية الدقيقة حول المركز المالي للجهة المصدرة والمتغيرات الأخري، إمكانية استيعاب المعلومات المتنوعة، ومعالجتها لتقدير القيم التبادلية المنضبطة دون مبالغة أو غلو، فهي أرقام قياسية تعكس قيما حقيقية غير مضللة، وتشترط توافر معلومات موضوعية دقيقة حول المركز المالي للشركات لإدراجها في المؤشر، علاوة علي أن ذلك يحقق مبدأ الإفصاح والشفافية إذ يفيد ذلك في تحقيق السعر العادل للسهم، والمساواة في الحصول علي المعلومات لجميع المساهمين والمتعاملين علي الشركة التي يجري التداول والتعامل بأسهمها.

1/4 آليات بناء مؤشرات أسعار الأسهم الإسلامية مؤشر شريعة EGX33 (أنموذجا):

حدد المعيار الشرعي رقم 21 الصادر هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) الضوابط اللازمة لوضع مؤشر إسلامي، ومن أهمها مراعاة تحقق الضوابط الشرعية بالإضافة إلي الضوابط الفنية في مكونات المؤشر وطرق استخدامه، وأن يكون للمؤشر هيئة رقابة شرعية تتأكد من تحقق الضوابط الشرعية في مكونات المؤشر وتقوم بمراجعته دوريا وتقديم تقرير شرعي عنه.

وفي ضوء تلك الضوابط أصدرت البورصة المصرية مؤشر الشريعة EGX33 Shariah Index هو مؤشر يضم عدد 33 شركة من الشركات المدرجة في البورصة المصرية والتي يتوافق نشاطها مع الشريعة الإسلامية وفق الضوابط الشرعية التي تقرها لجنة الرقابة الشرعية علي المؤشر.

ومن أهم شروط ومعايير انضمام الشركات لمؤشر الشريعة EGX33:

  • المرحلة الأولي: طبيعة الأوراق المالية المكونة للمؤشر، حيث يشتمل المؤشر علي الأسهم العادية فقط، مع اســتبعاد الشــركات التــي لا يتوافــق نشــاطها الرئيســي مــع الشــريعة.
  • المرحلة الثانية: في حالة استيفاء المرحلة الأولي أي أنها تمارس تشاط مباح شرعا، ولديها أنشطة مالية عرضية غير متوافقة مع الشريعة الاسلامية، يشترط استيفاء المعايير المالية التالية (وذلك علي أساس آخر قوائم مالية سنوبية/دورية متاحة): ألا يتعدى الدخل المتولد من الأنشطة غير المتوافقة مع الشريعة نسبة 5% من إجمالي إيرادات الشركة، وألا تتعدى إجمالي قيمة الاستثمارات التي تحمل فوائد، سواء كانت استثمارات طويلة أو قصيرة الأجل، نسبة 33% من إجمالي أصول الشركة أو من متوسط قيمة الشركة السوقية خلال فترة المراجعة أيهما أكبر، ألا تتعدى أجمالي قيمة المبالغ المقترضة التي تحمل فوائد، سواء كانت استثمارات طويلة أو قصيرة الأجل، نسبة 33% من إجمالي أصول الشركة أو من متوسط قيمة الشركة السوقية خلال فترة المراجعة أيهما أكبر، ألا تتعدى قيمة الأصول السائلة نسبة 70% من إجمالي أصول الشركة.
  • تتــم مراجعة المؤشــر مرتين ســنوياً (فــي نهايــة شــهر ينايــر وفــى نهايــة شــهر يوليــو) وتشــمل المراجعــة اســتبعاد الشــركات غيــر المؤهلــة، وإدراج الشــركات التــي تســتوفى المعاييــر ويتــم ذلــك مــن خــلال لجنة المؤشرات بعد اعتماد لجنة الرقابــة الشــرعية بالبورصــة.

1/5 : الإصلاحات المطلوبة لتعزيز منهجيات بناء مؤشرات الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية:

لا توجد مجموعة واحدة من المعايير المتفق عليها عالميًا فيما يتعلق بالفحص الشرعي للأسهم لتحديد مدي توافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية، ولذا يعتقد الباحث أن هناك حاجة إلي:

  • معايير موحدة Standardization للفحص الشرعي تتضمن تحديد الأنشطة المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية والأنشطة المحظورة بوضوح، فضلا عن وضع معايير متسقة للنسب والمؤشرات المالية في جميع أنحاء العالم.
  • إجراء مراجعات دورية Periodic reviews لتلك المعايير بواسطة لجان شرعية مركزية وإجراء ما يلزم من تحديثات في ضوء بيئات الأعمال المتطورة وممارسات الصناعة والمتطلبات التنظيمية.
  • لاتزال منهجيات بناء مؤشرات الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية قائمة علي معايير الاستبعاد أو الفحص السلبي من خلال تصفية الشركات التي لا يتوافق نشاطها مع أحكام الشريعة الإسلامية سواء من حيث النشاط الرئيسي للشركة أو من حيث المعايير المالية المتعلقة بطبيعة إيرادات الشركة وهيكلها التمويلي. ومع ذلك، فإن مقاصد الشريعة الإسلامية لا تهدف إلي النهي عن المنكر فقط، بل أيضًا الأمر بالمعروف. ولتحقيق ذلك يعتقد الباحث أن هناك حاجة إلي (مؤشر شريعة للأداء المستدام للشركات Sariah Sustainability Index).
  • تتضمن مؤشرات الأسهم الحالية في العديد من دول العالم مؤشرات تتعلق بالاستدامة مثل مؤشرات الاستثمار المسئولة والمستدامة Sustainable and Responsible Investment (SRI)، والمؤشرات المتعلقة بالمسئولية الاجتماعية والبيئية والحوكمة Environmental, social, and governance (ESG). ويعتقد الباحث أنه قد حان الوقت لمد جسور الثقة بين تلك المؤشرات ومؤشرات الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. خاصة وأن معايير وضوابط استثمار الأموال في الفكر الإسلامي تتضمن العديد من تلك المعايير والمؤشرات المتعلقة بالبيئة وحقوق الإنسان والقيم الأخلاقية وغيرها من مؤشرات التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة (الاقتصادية والإجماعية والبيئية).

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

  1. () أستاذ ورئيس قسم المحاسبة بكلية التجارة – جامعة الأزهر (Email:eztohamy999@gmail.com).