تدريس ممتع
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على خير معلم للبشرية سيدنا ونبينا وقرة أعيننا صاحب…

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على خير معلم للبشرية سيدنا ونبينا وقرة أعيننا صاحب التعامل الحسن محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- وبعد..
التعليم كمهنة له أسباب حتى يكون فعالا ومؤثراً ومحققاً لكل أهدافه, وهناك أسباب عدة لذلك, منها: ما يتعلق بنفس المادة التي تكون للإلقاء, ومنها: ما يتعلق لتهيئة مكان ومحل العملية التعليمية, ومنها: ما يتعلق بنفس المعلم الذي يلقي المادة, وكذلك استخدامه لبعض الأساليب التي تساعد على تحقيق الأهداف العامة للتعليم وكذلك الأهداف الخاصة لذلك المعلم كسهولة التعامل مع الطلبة, وكذلك الاستمتاع في العملية التعليمية ونحو هذه الأهداف.
ونحن في هذا المقال القصير سنركز على الاهتمام في أساليب تعامل المعلم مع الطلاب التي تسعده وتساعده في أداء مهمته في التعليم ([2])
ومضة:
مع بداية عملي في إحدى المدارس وفي الأيام الأُول, كنت جالسا مع أحد الزملاء الأكبر مني سنّاً وقدراً وعلماً, ووجوده في المدرسة كان قبلي, وفي تلك الأثناء وأنا أرتّب لطريقة إدارة الحصة من حيث: كيف أقدم المادة المطلوبة ؟ وكيف أحصل على بعض الوقت في الحصة لكي أقدم للطلاب بعض الأنشطة التي تحفزهم في أداء المطلوب منهم في المادة, وفي أثناء ذلك همس في أذني هذا الزميل الفاضل: لا تتعب نفسك هؤلاء الطلبة -وكانوا في سن المراهقة- لن يستجيب لك أحدٌ بما تريد, وإنما عليك أن تكتفي بالمادة فحسب, ثم حدثني ببعض الكلام الذي يثبط الهمة والعزيمة, ولكنّني حركتُ رأسي في حينه ومضيتُ في طريقي, وبعد ثلاث سنوات أتاني نفسُ هذا الأستاذ الغالي, وقال لي بهذا اللفظ: أنت إيش سويت للطلاب ؟؟ تغيروا تماماً !! وانعكس ذلك التغيّر عليهم في رفع المستوى في الدراسة ليس في مادتي فحسب بل في مواد أخرى, وانتهت قصتي مع الأستاذ.
ولا أحصي عدد المرات التي تواصل معي فيها أولياء الأمور من أجل الشكر على التغيُّر الإيجابي الحاصل لأبنائهم من الطلاب ليس في المدرسة والدراسة فقط بل حتى في المنزل بل حصل التغيّر في نمط حياة الطلاب بشكل عام.
وكل ما سبق هو بعد فضل الله عز وجل بسبب إتقان مهارة التعامل مع الطلاب.
ولا تنسى أخي الحبيب أن التعامل الحسن مع الطلاب يدخل في حسن الخلق الذي هو من أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة, وهو أيضاً سبب للقرب من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كما ثبت في الحديث ([3]), وكذلك فإن إتقان مهارة التعاون مع الطلاب يحقق للمعلم النتائجَ التي يريدها سواء: النتائج العلمية من المادة, أو النتائج التي يريدها من غير التعليم كغرس قيمٍ معينة يحتاجها الطالب أو المجتمع.
والآن نشرع في بيان أهم مهارات التعاون مع الطلاب, وهما في نظري أسلوبان ([4]) :
الأسلوب الأول: هو أن يكسبُ المعلمُ الطلابَ, ويزرع الثقة فيهم حتى يستجيب الطالبُ للمعلم في ما يطلبه منه.
الأسلوب الثاني: هو أن يرسم المعلمُ طريقةَ التعامل والتعاون مع الطلاب من أول يوم, ولابد من إشراك الطلاب في وضع تلك القواعد للتعامل.
وإليك أخي القارئ تلك الأساليب بشيء من التفصيل.
بالنسبة للأسلوب الأول, هناك العديد من الطرق لزرع الثقة في الطالب وكسبه اتجاه المعلم, ومنها:
– أن يخبره بحب المعلم له وحرصه عليه, سواء كان هذا الإخبار أمام الطلاب مجتمعين أو كان الإخبار بشكل منفرد, والأفضل الجمع بينهما .
– أن يمدحَ الطالبَ أمام الغير بما فيه, يعني يمدحه بصدق وليس كذبا بل بما فيه, وبإنجازاته, وإن لم يجد شيئا من ذلك, فليمدح الصفات الطيبة التي يتصف بها, حتى ولو كانت تلك الصفات شيئاً معتاداً كنظافة الثوب وطيب الرائحة ونحو ذلك.
– أن يشجع الطالبَ على توجيه الأسئلة للمعلم, ويخبره بأن ذلك يسعد المعلمَ, وربما يستفيد من تلك الأسئلة.
– أن يعطيَ الطالب, ويعلمه البذل والعطاء, يعطيه ما يستطيع من وقته, ومن حرصه, ومما هو مسموح من الهدايا ونحو ذلك.
– أن يعلّمه كيف يدافع عن نفسه وعن حقه لا سيما في المدرسة, وحتى مع نفس المعلم, يعلمه كيف يعبر عن رأيه, وعن نحو ذلك من الأمور ويخبره أنها من حقوقه, ويعلمه الضوابط والآداب في تلك الحقوق.
– أن يُفصح المعلمُ للطالب عن سبب القرار الذي يتخذه.
– ألا يستخدم معه أسلوب التهديد, فإذا ما غضب على الطالب؛ فعليه إما أن يتجاهل الموقف أو نفس الطالب لفترة ما, حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه.
– أن يعلمه أن له قدراً ومكانةً, ويظهر هذا الأمر في نقطتين مهمتين:
الأولى: أن يقول له: لو سمحت, في حال الطلب, فإذا ما طلب من الطالب أي شيء أو أي فعل فليقل له لو سمحت: افعل كذا.
الثانية: أن يقول له: شكراً, فيما إذا قدم الطالب أي شيء طُلب منه, سواء كان الشيء المطلوبُ واجباً على الطالب أو غير واجب.
– أن يسأل المعلمُ الطالبَ عن رأيه في بعض الأمور.
الأسلوب الثاني: وهو رسم طريقة التعامل مع الطلاب, وهو أمر واسع, ولكن نذكر بعض الأمثلة, وقد تختلف من معلم إلى معلم, ومن مرحلة إلى مرحلة ونحو ذلك, ولكن نذكر منها ما يلي:
– أن يتفق مع الطلاب في أنه إذا ما تأخر المعلمُ -لسبب خارج عن إرادته- فإن الجميع يبقى في مكانه, وعليه أن يلتزم بما طولب منه في حصة المادة, كأن يضع لهم بعض الأمور من حلّ بعض الواجبات أو بعض الأنشطة الاستثنائية لمثل هذه الحالات, وبالتالي يكون المعلم قد حافظ على انضباط الطلاب في حال الغياب اللا إرادي.
ومن يخالف هذه الضوابط؛ فيجب على المعلم أن يتفق مع الطلبة على وضع بعض العقوبات سواء المادية والمعنوية, كأن يخصم درجة من السلوك لمن يفعل خلاف هذا, أو يعطي إنذاراً شفويّاً, أو يحرم الطالبَ من نشاط يحبه مما يقدمه المعلم في الحصة, أو يطالَبُ الطالب بأشياء وواجبات أكثر من غيره, في حال المخالفة وهكذا.
– أن يضع بعض الإشارات والأساليب التي تناسب كل مرحلة من المراحل, حتى لا يكون هناك فوضى في الفصل أثناء الدرس, فإذا انشغل المعلم بالدرس, وهناك من الطلاب من يريد شيئاً معيناً, فالمطلوب أن يضع لهم بعض الأمور التي توصل الرسالة إلى المعلم من دون إثارة الفوضى وإشغال المعلم, فمثلاً يضع هناك دلالات لرفع اليد:
– إذا أراد مثلاً أن يشرب الماء في الفصل, فيلزمه رفع يده كاملاً يعني الأصابع الخمس.
– وإذا أراد مثلاً أن يخرج من الصف رفع إصبعه السبابة فقط.
– وإذا أراد مثلاً أن يصحح معلومةً للمعلم قد وَهِمَ في إلقائها رفع إصبعي السبابة والوسطى وهكذا.
وإذا ما أراد أن يسأل في الدرس فليرفع اليد اليمنى فقط, وهكذا.
ولابد أن يُعلم أن في كل مرحلة من المراحل ما يصلح لها من الاتفاقات والقواعد ما لا يصلح لغيرها, فينبغي أن أن يوضع لطلاب الابتدائية لهم أمور تناسب عقولهم, وكذلك فإن التعامل مع طلاب المتوسطة بخلاف المرحلة الثانوية وهكذا, لأن التعامل والاستجابة من الكبار ليس مثل الصغار, ومن المراهقين ليس مثل الكبار.
وبنفس الطريقة يمكن للأستاذ أن يأتي بعشرات القوانين بالاشتراك مع الطلبة في كل مرحلة من المراحل.
وفي الأخير لا تنسى أخي المعلم أن الدال على الخير كفاعله, وما تُعلمه من خير يكون لك أجر الطالب, وكذلك يكون لك أجر من يعلمه هذا الطالب وما يفعله في مستقبل أيامه, وما ينشره مما تعلمه إلى ما شاء الله, وكذلك يكون سبباً لرفع درجاتك في الدنيا والآخرة..
باختصار شديد :
كن للطالب أباً يكن لك ابناً..
-
)) باحث دكتوراه في جامعة الإمام بالرياض, ومهتم بالمجال التعليمي وتطويره, ومدرب معتمد. ↑
-
)) الأصل أن الأساليب تُطبق مع جميع المراحل الدراسية بدءاً من الابتدائية وانتهاء بالجامعية, وكما هو معلوم فالتعامل ووضع القواعد للصغار أكثر حاجة من الكبار, وللمراهقين أكثر من غيرهم, وقد طبقتُها مع جميع المراحل إما في المدراس أو الأكاديميات من مختلف الأعمار, وكذلك يصلح تطبيق هذه الأساليب مع الأهل من الأبناء والبنات في البيوت. ↑
-
)) عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا…), سنن الترمذي ت شاكر (4/ 370). ↑
-
)) طبعاً هناك أسباب أخرى: كالإخلاص في التعليم, والافتقار إلى الله بأن يكون المعلم مباركاً ونافعاً, وكذلك بأن يُكثر المعلم من الدعاء لطلابه وتلاميذه, وغيرها من الأسباب نسأله الله الكريم من واسع فضله وكرمه. ↑